الاثنين، 2 نوفمبر 2015

أناس طيبون



أناسٌ طيبون ...







كان الاتصال  دائما يأتي بخط مشغول أو لا رنين، وكلما 

حاولت الاتصال فيها يصفعني الأثير بانعدام الجواب ....



هي من أناس طيبين تعرَّفتُ عليها ذات يوم ، وكانت جارتي 


في مدينة كانت يوما ابنة الوليد ...


منذ ثلاث سنوات  وأنا أحاول الاتصال بها ، و خطها لا يجيب ...


أذكر آخر مرة قالت لي عبر اهتزازات الأثير :


 " - ادعي لنا يا مؤيدة ... بيتنا قد دُمِّر ، وزوج أختي قد استشهد وترك لها طفلا صغيرا ..


كثير من شبابنا قد اعتُقلوا .. وأنا الآن خارج المدينة ، في 

قرية زوجي ..."


دعوتُ لها ، ودعوت لسوريا .. 


ودعوتُ لوطنٍ كان  أمي فضاع مني ، وكم أرجو الله تعالى 


ألا يضيع من أطفالي وأحفادي ...




ومنذ فترة بسيطة ، كنت أبحث عن أحبّةٍ  وأناسٍ طيبين في 

قائمة جوالي ،  لأرسل لهم التهاني بحلول رمضان المبارك ، 

لأجدَ بجانب رقمها أنها تستخدم "الواتس أب " حديثا ... 


وآخر دخول  لها منذ لحظات ، ورأيتُ بجانب رقمها صورةَ 


شابٍ صغيرة - لم أتبيَّنها  جيدا - يحمل سلاحا ، وظننت أنه


ربما أحد من عائلتها قد استشهد مع شباب الوطن ،ولهفتي 



للاستماع  لصوتها والاطمئنان عليها كانت عارمة ،فاتصلتُ 


بسرعة ، ولكن كالعادة صفعني الأثير بالصمت ...



فأرسلتُ لها هذه الرسالة على الواتس أب :



" السلام عليكم ..


أتمنى أن تكوني بخير حال أنت والأولاد يا آمنة


فرحت كتير لما شفت عندك واتس أب


اتصلت بك  من شوي ولم يعلق الخط أبدا


طمنيني عنك

وكل عام وأنت بخير


جارتك أم (.....)  "




وبعد لحظات  تفاجأت بكلماتٍ مبهمة بينها فواصل،  لم أدرِ 



أهي استغراب من لهجتي أم استهزاء :



"  شوي ،

كل ، عام ،


انتي ، ابعتيلي ، وحدات ، وأنا ،  أتصل،  عليكي ،

 وأطمنك ،عني ،  "



أثلجتْ أناملي ، وأفكارٌ مخيفة عصفتْ برأسي ، وانقبضَ 


وضاقَ صدري ، ونبضٌ خفتَ حتى كاد أن يختفي ...


مستحيل أن تكون تلك جارتي آمنة !!!



هنا أظهرتُ  صورةَ الشاب ، لتبدو بوضوح :


شاب في العشرينات يرتدي  بزَّةَ الجيش ويحمل رشاشا ..


وصارت مخيلتي وحشا أوربما ماردا ، ابتعلتْ كلَّ أفكاري 


وهاجت  بصور الدمار الذي لحق بالمدينة ، بفيديوهات 


التعذيب التي شاهدتها من أول الثورة ، وبإمكانية أن يكون 


هذا الشخص قد عذَّب "آمنة "  واغتنم جوالها .....


وبات وجهها الذي طالما عرفته باسما  بسمرته الجميلة 


وتلك النظرة الغارقة في الحياة ، يصرخ ويئن ويستنجد 

بالله 

...



حاولت أن أمدَّ يدي إلى بطن الوحش لأخرج "آمنة " 


وأنقذها ... ولكن .........





بتُّ الليل وطيف "آمنة " يُسامرني ، بلحظاتِ تعرفي عليها  

- أنا الغريبة عن مدينتها وهي أول جارة أتعرف عليها منذ 


زواجي  -  بذكرياتٍ جميلة جمعتنا معا، ، بدعواتي لها أن 


يرزقها الله الذريّة الصالحة ، بابتسامتها ، ببساطتها ، .....



ودعوتُ الله ألا تكون آخر ذكرياتي معها هي وجه ذلك 


الشاب ، والخوف الذي يسكنني ، والرُّعب الذي زرعتهُ 



مخيلتي الوحش في عينيّ " آمنة " ...



.......



في كلِّ محطة من محطات حياتي ، قابلت أناسا طيبين وإن 

كانوا قِلة - ومن خصالي الحميدة أني لا أنسى الأناس 

الطيبين.. ..أحاول دائما الاطمئنان عليهم والسؤال عنهم 

...


ومهلا ربما اختلطت علينا المفاهيم ، فالطيبون هم من


 يحبونك لشخصك ، وليس لمصلحة ما ، وتحبهم  كما هم 


إن كانوا بسطاء أو مُعقَّدين ..


وكلّ ما أرجوه أن تكون " آمنة "   و عائلتها بخير ...




  
***




بقلم مؤيدة بنصر الله / نادية 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق