الثلاثاء، 19 أبريل 2022

في ليلة سمر

 

في ليلة سمر




كانت ليلة صيف عتيقة يحلو فيها السمر، تتعالى الأصوات و القهقهات والجميع يتكلم في وقت واحد فتُبتَر الأحاديث ولا تكاد تفقه منها شيئا ، وكنا أطفالا صغارا نجري هنا وهناك وجدتي تؤنبنا لأننا لا ننصت لها ونهدأ ...

فجأة انقطعت الكهرباء وساد الظلام الدامس وهيمن الصمت وهدأ الأطفال وصمت الكبار ، وبدأ السكون والظلام يتسللان إلى مسرح الأحداث. وعند تلك اللحظة هناك في السماء الحالكة بدأت تتلألأ النجوم كحبَّات اللؤلؤ، عديدة كثيرة لا تحصى ، فالظلام يجعلها تشع حتى تكاد ترى المجرة كاملة بعظمتها هناك ...

استلقيت على ظهري ناعسة ،لكن مشهد النجوم أغراني ،فمددت إصبعي الصغير لأحصيها وأعدها : واحد ، اثنان ، ثلاثة .........

 تصرخ جدتي مقاطعة : لا تعدي النجوم ، ستظهر لك ثآليل في جسمك بعددها !

خائفة أسألها : لماذا ؟!

جدتي :قديما قالوا لنا ذلك ...

إصبعي الصغير يتراجع بجانب جسمي مترددا ،أقبضه وأبسطه محاولة العدّ بخوف طفولي، ما بين مصدق للأسطورة ومكذب من دون أن أعرف الجواب ...

قديما قالوا أشياء كثيرة ، وما زالوا يقولون ، يقتلون فينا الطموح وحب المعرفة بالخوف والجهل ، ويجعلوننا لا نتساءل ، لا نفكر، لا نتجرأ ،كقادتنا الملتصقة مؤخراتهم على الكراسي بصمغ الطمع والغرور ،جاعلين من الرعية أغناما تجتر الخيبة والخوف والفقر ،فلا أفق هناك في الوطن ،وأصداف فُصِّلت لكل منا واحدة على القد لإيهامنا بأننا لآلئ بصمتنا وسكوتنا وخنوعنا ، وأننا ننشد السلام ....

 هل فقدتَ الشعور بالوطن حتى صرتَ تستصغر هذي الكرة الضخمة !

هل تضاءلتْ كل مغريات الحياة حتى بتَّ تشعر بالاكتفاء والزهد!

هل حلّقتَ عاليا في سماء العقلانية حتى صرت ترى الناس أحجار شطرنج فتحزر كل نقلة على رقعة اللعبة !

هل وصلت لتلك الحالة الملكية التي صرت فيها تتقبل برحابة كل من حولك !

إذا كان كذلك فأنتَ قد وصلتْ ،ولا تنظر خلفك أبدا ،سيصفعك القديم إن فعلت ، وسيقيدك  الوطن خلف قضبان الإخلاص، ويضنيك الاحتياج للآخر...

هذي هي الحرية المنشودة ...

 

 *****

 بقلم :نادية محمود العلي