الخميس، 4 يناير 2018

عندما يموت الأصدقاء


عندما يموت الأصدقاء



الحقيقة دائما موجودة ... موجودة هناك في عين الشّمس ولكننا فقط لا نستطيع التّحديق فيها حتّى لا نتأذى من سطوعها ، قد تحتاج لخسوفٍ  يُخفِتُ الإنارة أو إلى انتباه منا أو صدمة لاكتشافها ، وربما رؤية الحقيقة موجعٌ ، أشبه بشقّ عينين جديدتين يحتاج للشّجاعة والوجع والقسوة ......

ساقتْها أقدار الله - مع قدر لا بأس به من حرية الاختيار-  صديقةً في دربي ، ثمّ اعتصرتُ مواهبي ونحتُّ تماثيلا جميلة لها وللأصدقاء كافة ، وألبستُ كلا منها ثوبا يليق بها ، وصمدتها فرحة فخورة كلوحات فنية في متحف خيالاتي و رُؤاي ...

كنت مستعدة لأقدم الكثير لهم ولأبقي وجودهم في المتحف العريق ..

رويدا رويدا اكتشفت أن العراقة أكذوبة التاريخ ، و مادة النحت لم تكن إلا هلاما بدأ يفقد شكله مع تعاقب الأيام ، وأني نحت كما أردت أنا ، وأن تماثيلي تهيُؤات وخيالات جاد بها فكري وإحساسي ذات يوم ...

هلام التشكيل بدأ يتداعى والحقيقة التي تتكشف مع الوقت دائما بدأت تبزغ كبادرة زهرة من تربة الواقع  ...

 ظننتُ دوما أن صديقتي تراني كما أنا...لا داعي لأبرر نفسي لها ...

لا داعي لأنحت نفسي لها ... لا داعي لأن أنطق ما دامت تتجول في أفكاري ...

ومع ذلك اعتقدت أنه من الظلم والأنانية أن أجعل صديقتي تفهم ما أريد ، أو تشعر ما أشعر، أو أفرض عليها طريقة التواصل التي أرغب بها ،أو ألحّ في أن تكون على دربي ، وصديقتي بالفعل  انتحت دربا آخر وسكنت في جغرافيا أخرى لم تفلح وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والسريعة في طيّ المسافات الشاسعة بيننا ، فبرّرتُ وبرّرت حتى يئستْ الفرضيات مني وضجرت كرامتي من تهاوني ...

أعرف الآن أن الماضي لو استمر للحاضر فهو عبء ثقيل قاصم لظهر حامله ،وأعرف أن حلاوته تكمن فقط في فلاشات الذكريات التي تومض من بعيد راسمة ظلالها على الحاضر ، وفي الدروس التي تعلمناها من اعتراكنا فيه ،وأعرف أن الدنيا وحالها غيّر القلوب والنفوس والأفكار وربما المبادئ...

وأعرف أن صديقتي التي تمسكتُ بها للحاضر قد ماتت وهي على قيد الحياة ، وتركتْ الآن فلاشات مضيئة بين الحين والآخر تضيء تلك الزاوية التي يقبع فيها تمثال هلاميٌّ ضبابيُّ الشّكل يحمل اسم تلك الصديقة ...

أعرف أني حاولت ليستمر كلّ شيء ، أو بعض الشيء ، ولن أشعر بالندم ... 

هل اعتبرتني صديقتي صديقة أصلا ،أم رفيقة مراحل الدراسة والسلام ؟

ويبدو أن تلك المراحل لن تدوم ، وكنتُ أحاول جاهدة أن أسقي نباتا انتهتْ دورة حياته ...

وداعا يا أصدقاء الماضي السحيق !

فقط قبضة في القلب موجعة تسلخ الشعور، ثم يستمر بالضخّ من جديد ...


 ****


بقلم : نادية محمود العلي