السبت، 3 يونيو 2017

ولادة وموت "مؤيدة بنصر الله"



ولادة وموت "مؤيدة بنصر الله "



كطفلٍ يفتح عينيه لأوّل مرّة ويتحسّس العالم من حوله ،يصغي فتُجفله الضّجة ويحدِّق فلا يرى إلا الظّلال بازغة من اللُّجة ،كنت أتصفَّحُ كتابي المطبوع باسمي الصّريح لأوّل مرّة ،و بدهشة الأطفال أتلمَّس الصّفحات الملساء فتتراءى لي كفنًا ل "مؤيدة بنصر الله"  ...
أين هي ؟ هل رحلت ؟!
وشعرتُ أني ذات يوم كنتُ ترنيمة ًهادئة دندنتها شفاه أمّي "الحياة" ، حلَّقت نغماتها في الأثير كفراشة تبحث عن رحيق المياسم ،كتهويدة دون طفلة يغشاها النعاس لسماعها،فطَفِقَتْ تبحث عن طفلة،ووجدت نفسها على غير طبيعتها قد حطَّتْ من العلاء إلى الثرى واختلطت بالبشر ...

أَسْمَعَتهُم ترنيمتها فأنكروها لأنّ أذانهم ما اعتادت أن تصغي إلا إلى الفضيحة ،ونثرت لهم بأجنحة الفراشة مكنونات قلبها كحبّات اللؤلؤ فآذوها ،لأن أصابعهم لم تعتد إلا أن تجمع الفوارغ اللامعة كالغربان السوداء ،فانسحبتْ وهي تجرّ أذيال الألم وتتجرّع مرارة الخيبة ، وتنسج لنفسها وشاحا من خيوط التجربة يحميها من صقيع النتائج ،و رفرفت محاولة التحليق إلى العلاء فهبَّتْ أرياحٌ عاصفةٌ لم تبقِ ولم تذرْ ،وزحفت نحو خيوط الشبكة العنكبوتية محاولة التواري فعلقت في شباكها كشرنقة تنتظر لحظة انبلاج النور،ووجدت نفسها تسجل في منتدى افتراضي يدعى  "الفراشة"  ،فوُلدت تلك الطفلة "مؤيدة بنصر الله " بعد مخاض قاسٍ في الغربة ، لتجد تلك التهويدة تلفها وتغشاها بالسكينة...

كانت بداياتها في "منتدى الفراشة " كرفرفة أجنحة فراشة ضعيفة مزَّقتْ للتوِّ شرنقتها و كطفلةٍ هادئة فتحت أجفانها حديثا و تثاءبت ،فاقتصرت مشاركاتها على خاطرة ساذجة هنا ووصفة طعام هناك وعبارات شكر بسيطة هنا وهناك ...

ثم بدأت تكبر وتكبر "مؤيدة"وبزغت من ضباب الشروق كأشعة شمس ساطعة ،فالظلمة مخبأ الضعف والاستكانة ككهوف تختبئ فيها مكنونات أنفسٍ نجهلها فنخافها ،وأصبحتْ تلك المثالية التي أحبها وكرهها البعض وفي كل الأحوال لم تكن لترى إلا الأبيض والأسود ،وطَرحتْ كشجرة الكَرْمَة ثمارا مختلفة المذاق   ...

لما نضجت واستوت "مؤيدة" وناءت بعبء مسؤولية الإشراف كشجرة عتيقة ضعضعها الدّهر،أُغلق "منتدى الفراشة" فأصبحت بلا وطن  وهرعت خائفة تسجل في منتديات أخرى لتنقل مواضيعها حتى لا تضييع ،كانوا كأطفالها الصغار هاجرت بهم هنا وهناك محاولة إنقاذهم من الضياع ...

تشتتْ مؤيدة كالشّفقِ في الضباب ...ولم تجد نفسها في أي مكان ...
انسحبتْ مؤيدة وهي واقفة وقد تساقطت منها الثمار ...
احتُضرتْ مؤيدة وأناملها تعتصر القلم علّه ينبض ولا يموت معها...
ومَنْ أكبر من الموت وهو يبسط جنحه ويقبض الروح !

سجلتْ وصيتها هنا في هذه المدونة "يوميات فراشات "...
ائتمنتنا "نادية ونسرين" على صغارها ورحلت بعيدا ...
وكانت دورة حياتها قصيرة كالفراشة ...

والآن تبدو مؤيدة كصديقة غالية أهدتني عقدا من زهر المنثور يوما ،ودندنتُ لها تلك التهويدة عند الولادة وعند الموت ...

أَتَلفَّتُ ..أبحثُ عنها ... ولا أجد منها غير رائحة زهر المنثور ،وتركتني "نادية " تضمُّ أصابعها لتخبِّئ براحتيها لآلئ غنمتها من مؤيدة ومنتدى الفراشة ...

فشكرا مؤيدة وشكرا منتدى الفراشة ...

****

بقلم : نادية محمود العلي