السبت، 12 أغسطس 2023

فتات حنين وبعثرات قلم

 حنين-قط-سلالة-حرية-برية-سجن-بعثرة-حروف-قلم-عبودية-تدجبن-أليف-

فُتات حنين و بعثراتُ قلم

 


قد تبعثرنا أيام العمر زمنا - نظن أنه قصير -  ونُفاجئ ذات يوم بأنه كان طويلا جدا وأننا على حافة اللّحد ، وليس في دربنا إلا فُتات حنين ...

فُتات حنين لماضٍ أو لحلم راودنا ذات يوم ، وحنيننا يشدنا لنعثر عليه أو يعثر علينا ، لا فرق ...

لا فرق إن تلَبسنا الحلم أو تلَبسناه ، فالألم واحد ، مهما تشعبت الدروب

 " فكل الطرق تؤدي إلى روما "  ...

في ذلك اليوم وقف قطّي الأبيض الجميل ببراءة عينيه،  أمام شعاع شمس يتسلّل من نافذة غرفتي ، كانسا ظلال العتمة ، مشكِّلا بقعةً مضيئة على سجادتي ...

وقف طويلا حيث  البقعة ونظر إلى أشعة الشمس المتسللة ، يتطلع إلى - لست أدري حقا -  ربما حرية فقدها يوم دَجَّن أجدادنا أول قطة بريّة ، يوم سجن الإنسان جدَّ القطط وحولها إلى حيوانات أليفة مدللة ،  أو ربما  يتطلع إلى  حلم دفين في أن يكون في الهواء الطلق وأشعة الشمس وأمه الطبيعة البرية التي حرمناه منها وسجناه بين أربعة جدران !

وسابقا في ذلك اليوم كان قد وقف وراء الباب الخارجي يموء و يموء حتى أثار مواؤه أعصابنا وشفقتنا ...

-       سأخرجك اليوم يا قطي الصغير،  لا تقلق ....

حملناه وخرجنا به إلى حديقة قريبة ، فإذ به يتكوّر ويلتصق بالأرض ويتسمَّر في مكانه خائفا حائرا ، وظل على هذه الحال ولم يهدأ ، حتى عدنا به إلى البيت ...

عرفنا أ نّ قطَّنا لن يصمد أبدا ، وأنه اعتاد سجن الحجر ، على رحابة الطبيعة ...

لم أعرف ! أأعتذر من قطي ومن كل سلالة القطط ! أم أعتذر من حلم قتلناه في مهده قبل أن يكبر !

نظرتُ في عيون قطِّي ،  واقتادتني حبال أفكاري إلى كرة نسكنها ، اجتاحها ذات يوم طوفان عظيم ، وحمَّل فيها نبينا " نوح " السفينة من كل زوجين ، وبعد أن غاضت الأرض وابتلعت ماء السماء ، وتوقفت السماء عن سكب أمطارها ، وأعطانا الله فرصة جديدة ، عُدنا وقتلنا فيها الطفولة والبيئة ودمرنا أوطانا ، ونفوسا وقِيما عظيمة ....

وامتدَّ الدرب أمامي طويلا ، نتتبع فيه فتات الحنين علّها توصلنا لمخرج أو لحل ، نعرف فيه علاج إنسانيتنا التي تُنازع بمرضٍ عضال كالسرطان يستشري ، أو ربما ماتت ، لا أدري !!!  فهل يكمن الحل في بعثرة قلم ؟!

وأمسكتُ القلم ، ثم بعثرت حروفي ....

 

*****

 

 بقلم : نادية محمود العلي 

 

 

الخميس، 10 أغسطس 2023

زهرة البنفسج

 زهرة -بنفسج-عطاء-حب-جدب-صقيع-حرب-سلم-بشر


زهرة البنفسج


مددتُ يدي بتردّد لأسحب دفتري من يده المعروقة...

هو أستاذ اللغة العربية القدير الذي يهابه ويحترمه الجميع ، وكان من أولئك المعلمين الذين لا مجال لطالب مهما كان مشاكسا أن ينال من هيبته وقوته ...

خفتُ أن أفتح الدفتر لأرى تعليقه على موضوعي التعبيري عن الزمن الذي كان قد طلب منا أن نكتبه كواجب مدرسيّ ...

لكنّ فضولي هزم خوفي ، وفتحت لأقرأ تلك الجملة التي بقيت محفورة في ذاكرتي سنوات طويلة ، جملة جعلتني أتغيّر ...

كتب بالأحمر :

(أنت وأمثالك يا نادية كزهرة البنفسج ، تعطون في أيام الجدب ، لهذا أنتم متميّزون على غيركم  )

 

بحثتُ عنها ...عن زهرة البنفسج  ، وتماهيتُ فيها حتى الاتحاد ...

بنفسجيةٌ بتلاتها الرقيقة الحزينة، أوراقها قلبية الشكل  ملتصقة بتواضع بذرات التراب كطفل يغفو في حجر أمه ، وتنثر عبقا يدغدغ أعصاب الشم إلى الخلايا الرّمادية ثم يضخ الدّوبامين في الدّم ، يفوح عبيرها في الوقت الذي تموت وتجفّ فيه بقية الأزهار ...

إنها تزهر في أيّام الجدب والصّقيع ،وتذرف دموعها ببطء فتتكاثف

قطراتِ نّدى كلّ صباح لتلمع بتلاتها الصغيرة  برقّةٍ وجمال في الجوّ الغائم ..... 

تعلّمتُ منها أنْ أعطي في الوقت الذّي لا يستطيع أو يتوّقع فيه أحدٌ أن أعطي ...

 أن أتواضع دون ذلّ ...أن أحبّ دون أنانيّة أو تملّك ،و

أن أكون دائما جميلة ونديّة، حتى في وقت الحزن والكآبة....


حريّ بنا نحن البشر في زمن نرتكب فيه المجازر باسم الحبّ والسّلام أن نتعلّمَ من زهرة البنفسج كيف نعطي ونحبّ ...

ونغسل نفوسنا في وقت الحزن ...

في وقت الصّقيع والجدب ..

في وقت السّلم والحرب ..

 

*****

بقلم : نادية محمود العلي