السبت، 12 نوفمبر 2016

لا شيء هناك.... النص بقلم الكاتب "حسام مصطفى إبراهيم"

حسام مصطفى إبراهيم
لا شيء هناك
 
نزع الله من قلبي "فيشة" الدهشة، وأسلمني لنابِ شيطانٍ رجيم، لعنني بالاعتياد، والتوقّع، وقلّة الاكتراث للعالم، فأصبح وجودي مثل عدمه، وباتت لحظاتي حرثًا في بحر، ومحاولة لحفر ثقب، في قلب ماسة، بعود كبريت لم يولد بعد!
أنا لا أحبُّ الحياةَ، لا أعلمُ متى تيقّنتُ من هذا تمامًا، وهل كان ذلك بسببِ خيباتي التي تتكسّر على خيباتي، أم لأنني جئتُ دون أن تكتملَ أدواتي لمواجهةِ التفاصيلِ، وتفاصيلِ التفاصيلِ، أم لأنني شخصٌ منتهي الصلاحيةِ تمامًا، نَسَونِي على رفٍّ وسْط آخرين صالحين، ثم جئنا معًا -دون أن ينتبهوا لي- إلى هذه البقعةِ من العالم!
أتأمّلُ الخطَ الزمنيَ، الانتصاراتِ والهزائمِ، الوصولَ والسقوطَ في منتصفِ المسافةِ بين الواقعِ والحُلم، البداياتِ والنهاياتِ، المسرّاتِ والفواجعَ، الوصلَ والفصلَ، الانقطاعَ والتداني، فصولِ الوجع ِوفواتحَ الخذلاناتِ، فألمحُ الخطَ الواهيَ الذي يفصلُ بينها جميعًا، وأراني أتكوّرُ فوقَه، فيطالني مِن الشِمال ما يطالُني، ومن اليمين ما يطالني، فلا أبرحُ حتى أثملَ بالوجع!
لا شيءَ، في الواقعِ، لا شيءَ على الإطلاق، يمكنُ أن يتسلّلَ للقوقعةِ، ويضيءَ النورَ، ويكشفَ الحدودَ الفاصلةَ، ويرفعَ الحُجُبَ، ويصقلَ البصيرةَ، وما خُلق الـ "قاب قوسين أو أدنى"، إلا لنقاربَ، ثم نفقدُ، نوشكُ ثم نُطرَد، نهمُّ ثم نًصَّدُ، ونخسَر جماعِ ما نَملِك، على عتباتِ الفوزِ تمامًا، وقبل لحظةٍ واحدةٍ من الولوجِ للحياة التي كنّا نتمنّى، لا تأتي الخساراتُ إلا قبلَ الفوزِ بثانية، لا قبلها كثيرًا، فنُفجع قليلا ونتعافَى، ولا بعدها وئيدًا، فنقتنصَ لحظةَ نعمةٍ، ونتصبّر!
 
في كلِّ المرّات التي أقسمتُ فيها ألا أتورّط، ألا أجتاز، ألا أعبر، ألا أتناول غُرفة بيدي، أن أظلّ على الخط الفاصل بين الممكن والمستحيل، فردًا نافرًا مستوحشًا.. سقطّتُ، وعندما ارتديتُ رأسِ كلبٍ، لأتشممَ الهزيمةَ قبلها بأميالٍ، أُصبتُ بالزكام، فقادني أنفي لما هو أمرُّ من الهزيمة، وعندما حوّلتُ نفسي كنغرًا، لأقفزَ فوق المِحنة، انفتحتْ مصيدةٌ تحت قدمي، فقطعتهما، وعندما تعملقتُ، وأصبحتُ تنينًا، وقررتُ حرقَ العالم جرّاء خطيئته في حقي، ونفثتُ ناري بغلّ، وجدتُ قلبيَ في مواجهتي مرفوعًا على سيخ حديدي، فاحترقَ، وبقي السيخُ، وعنما تضاءلتُ وصرتُ نملةً، حطّمني سليمان وجنوده، ولم يستمعوا قولي!
لا أُريدُ الكثيرَ، ولا القليل، لا القريبَ، ولا البعيد، لا الذي يُريدني، ولا الذي أريدُه، في الواقع.. لم أعد أريدُ أن أريدَ، أو أريدُ ألا أريد!
في لحظةِ الألم الكبرى، لحظة ِالملامسة، لحظةِ انسلاخِ الروحِ، وتقشّر الفجيعة، لحظةِ الوقوفِ عاريًا مجروحًا بكاملك في بحرٍ من الكحول، لحظةِ التضاؤل الكبرى من إنسان إلى نقمة على العالمين.. تكتشفُ أنّه لا حكاية هناك، لا تفاصيل، لا خطوط عريضة، لا حبكة، لا أبطال، لا شخصياتٍ، لا سيناريو، لا بداية، لا نهاية، لا لذة، لا ألم، لا وفاء، لا خيانة، لا رجال، لا نساء، لا وعود، لا عشم، لا علاماتٍ، لا نُذرَ، لا حكمة، لا مؤازرة، لا فتوح، لا أبواب، لا أمام، لا خلف، لا فوق، لا تحت، لا شيء على الإطلاق!
المحبوسون في حكاياتٍ صاغوها بالدم وبالدموع، الواجفون في عمقِ تجربةٍ مُحيية مميتة، المعتقدون في حياة أخرى أجمل مما يملكون، الساعون بعزم للخروج من حال إلى حال، الخائفون من مُضي الوقت وفوات الفترة دون الوصول، المُسلِمون زمامَهم للحلم إذا تنفّس، والوعدِ إذا عَسعَس، المُصطفّون خلفَ إمامِ الشغفِ والدهشةِ، على سَجّادةِ الأمل، المُكرّسون دقائقهم وثوانيهم للقبضِ على طرفِ خيط، وبدايةِ طريق..
أنا قادمٌ من حيث تطمحونُ جميعا أن تكونوا...
ولا شيءَ هناك.
لا شيء.
لا.

بقلم/ حسام مصطفى إبراهيم