الخميس، 10 مايو 2018

أهشّ بعصاي

أهش -عصاي- التأطير- 


أهشُّ بعصاي 



تتوّكأ أفكاري بعصا الذكريات ، تهشُّ بها على قطعان الآلام عساها لا تخرج عن الدرب فتُسبب الأذى والحزن لعابري السبيل ...
ومن غيبوبة الفكرة تنتشلني التداعيات لأروي الحكاية ،وتضربني رياح الأزمان  ذات اليمين وذات الشمال كزيزفونة تُقارع سهام نفثات الريح و صفيرها في جوف الأفنان التي تكوَّرت دفاعا عن نفسها ،واصفرت وريقاتها كتكيُّفٍ يحميها من كينونة البرد ...

تلك الصورة قد يراها الآخرون لوهلة، فيؤطرونها  في لوحة ثابتة يعلِّقونها فوق جدران قناعاتهم الرَّاسخة ،ولا يكلفون خاطرهم للالتفات ورؤية الصور اللاحقة ،صور أخرى جميلة لربيع الزيزفونة وهي مُخضرّة الورق مزهرة الفَنن باهية الضَّوع والعطر ، في صيفها في خريفها وشتائها ،بكل ما حباها الخالق من جمال وعظمة الأساليب للاستمرار ...

ونحن البشر نميل بالفطرة للتأطير والتعميم ،وفينا غلّ وتعصب مُطوَّقٌ بالمحبة والعلاقات الزائفة ،نحكم على المرء من جنسيته أو منطقته أو لونه ،ونؤطره مهما حاول التبرير أو التوضيح ، لا نصدّق وربما لا نستمع إلى ما يقول ، حتى يشكّ بنفسه وتهتزّ معتقداته بما هو أو ما هو ويهمس لذاته : (ربما أنا فعلا ما يظنون وربما أنا من أوصلتُ تلك الصورة للآخرين فحبسوني فيها )...

 وقد يستغرق وقتا من الألم والتخبّط  وعدم الثقة ،ليكتشف أنهم هم المُعمِمِين المؤطرِين بتمنيهم ذلك وبرغبتهم في تقزيمك وتحجيمك وربما تحطيمك ...

اختبرت تلك التجربة كما اختبرها كثيرون ،وأعرف أنّ بعض القارئين هنا سيقولون إنها لا ترى نفسها وإنها محبوسة في أفكارها ومؤطَّرة بالفعل  ولا ترى إلا من بوابة واحدة ،إلا أني أتسامى كقطرات الماء -في لحظات الحرج- أصعد لأرى الصورة من فوق ولا أُحبسُ فيها ،فسامحوني لأني صفعتكم صفعة، فتلقيتُ منكم ضربة غلٍّ أيقظتني من أنانيتي باستحواذ محبتكم ،وعرفتُ ما أنا بالنسبة لكم ...

سامحوني فلم يكن يليق بي أن أخدش صمتكم أو أقطع سباتكم الطويل ، عودوا إلى ما كنتم و ناموا واجترُّوا تلك الصورة مرارا وتكرارا ، ودعوني أهشُّ بعصاي قطعان أفكاري الشاردة في اللانهاية ...


*****

بقلم : نادية محمود العلي