الثلاثاء، 27 ديسمبر 2022

ضجيج السكون

 ضجيج-سكون-صور-ماضي-حرب-حنين-غزل-بنات

ضجيج السّكون

 


 

من قال إنّ السكون ساكن وإنّ الهدوء في السكون ؟!

أليس السكون حالة فيزيائية ؟ أليس حالة فلسفية ؟ أليس حالة اعتياد ؟

ألا ترى الأجرام ساكنة وهي تدور وتغيّر أمكنتها وتضجّ بالسكون ؟

ألم تعتد حركة الأشياء حتى أضحت ساكنة كأنها لا تتحرك ؟

ألم تعتد الضجيج يوما حتى بات سكونا ؟!

لم أستوعب ذلك إلى أن جاءت تلك اللحظة التي انقطعت فيها الكهرباء ، هدأت كل أصوات الآلات من حولنا ، توقف المكيّف والمروحة والثلاجة، وعمّ السكون للحظات ، لكن الكهرباء استمرت في الانقطاع طويلا ، وصارت أصوات الأطفال ومحركات السيارات وصرخات صبية  وعواء كلاب ومواء قطط  تتهافت ضاربة مصاريع الشبابيك ،غازية الأسماع ...

أضحى الجوّ خانقا، ولم يستطع أحد النوم ، لكنّ الكلّ تعب وهدأ وسكن ...

في تلك اللحظة تعالى طنين موجعٌ في أذنيّ كأنه ذبذبات عالية ،لم أعرف أكان من الفضاء  الخارجي أم من فضاءِ ذاتي ،إلا أنه كان يطنُّ بشكل مؤلم واستمر طويلا مع دوام السكون ...

لم يكن أبدا أيّ شيء ساكن ... لقد كان طوال الوقت ضجيج ...

ربما هي الحياة بطبيعتها  ، فلا سكون مع الحياة وربما السكون في الموت ...

لعلّ هذا السكون الثرثار هو الماضي، هو الحنين ،هو أزيز ظلال الأيام ، هو تلك الذبذبات التي تصدر عن تلك الأطلال والجبال الشاهقة حولي ، أكاد أشعر بها وأتصورها كنبضات جهاز مغناطيسي أو كهرباء عالية التوتر أو توّهج مادة مشعة لا أدري ، إلا أنّ موجات غريبة تُصدر طنينا مهيبا تعجُّ في أثير المكان كأنّه المريخ  ...

 جلستُ أقلّب صوّر الماضي ، ووقعت عيناي على عدة منها:

 هذه الصورة : زوجة وزوج ....

عيناها تلك الزوجة ! عيناها أخافتني ! كان فيهما كره وحقد ولؤم وألم ومعاناة ،إلا أنّها كلها كانت ملفوفة ومغطاة بقناع ووشاح من الهدوء الساكن زرعت في قلبي الخوف ...

إلى أي مدى قد يصل الكره  ! وماذا يمكن أن يفعل وراء ذلك القناع !! هل يدرك الزوج ذلك ؟

هذه الصورة : مدينة عريقة ....

هناك في الخلف أبنية دمرها قصف العدوّ وحربٌ غبية ،أبنية بدت ساكنة تضجّ بالخراب ،وشوارع محترقة مشينا فيها ذات يوم ، وفي الأمام رجل عجوز يحمل باقة من غزل البنات الوردي ،اللون الوحيد في الصورة القاتمة ...

لمن غزل البنات يا عمّ ؟ !

لتبيعه إلى ذلك السكون القاتل ؟ إلى الطفولة الموءودة ؟!

بعد 25 سنة لماذا يعود الماضي ؟!

يمدّ يده ويهزّني ،يُفرحني ثم يوجعني ...

ربع قرن تغيّر فيه العالم ، تغيّرت المعالم والوجوه والنفوس والأدوات والألوان  ...

أدركتُ والماضي  يهزُّ كتفيَّ أنه سقيم ، أنه أبيض وأسود ،أنه عجوز علمني الكثير وأعطاني الكثير إلا أنه مات ويجب دفنه كي لا تتفسّخ جثته وتفسد أثير الحاضر ...

لم أعتد أن أدير ظهري ، إلا أنني اعتدتُ أن أمضي دوما ...

عذرا أيّها الماضي ....

 

 *******

بقلم : نادية محمود العلي  

 

 

 

الأحد، 7 أغسطس 2022

جرعة حنين

 حنين-عالم -افتراضي-حقيقي-جرعة-أخ-


جرعة حنين




بين يديَّ عالم وأكوان ... بين أصابعي كل أبجديات العالم ، وأمام ناظريَّ كلُّ جميل وقبيح ...

الجغرافيا والمسافات واختلافات التوقيت طُويت كلها واُختصرت في هذا الجهاز الصغير بين راحتيّ..

عالم افتراضي ! نعم ، لكنه بات واقعا لا يمكن نكرانه ، يبتلع كأفعى ببطء العالم الحقيقي ، فجهازي الصغير ينوب عني بإرسال المعايدات والتبريكات في الأعياد والمناسبات ، والتعازي والتعاطف في الموت والمصيبة ، والأمنيات بالشفاء في المرض ...

بلمسة واحدة أشتري وأبيع وأطلب ، والمال بات أرقاما في بطاقة الكترونية صغيرة .

لا داعي للسفر لزيارة الأهل الذين تشتتوا في كل بقاع الأرض ، فها أنا بلمسة واحدة أتكلم صوتا وصورة مع أخي البعيد جدا ،رغم اختلاف التوقيت لا يهم ،فالليل لم يعد للسُبات والنهار لم يعد للمعاش ...

أخي الأكبر من وراء الشاشة والشَّيبُ يخطُّ شعره المُنحسر ، والتجاعيد تتفنن بفرشاة الزمن في وجهه ، وبصوته الأجشّ يذكرني بأيام الطفولة : " لن أنسى عندما كنتُ أضعكِ على الطاولة أمامي ،لأرسمكِ وأنت طفلة صغيرة "

أبتسم ، أنتعش ،إنها جرعة حنين انتشلتني تلك اللحظة من هذا العالم الافتراضي ...

رفعت رأسي عن شاشة الجوال ،لأرى انعكاس الشمس الغاربة على صفحات البحيرة الصغيرة التي شكلتها أمطار الأسبوع الفائت الغزيرة ...

قرصٌ برتقاليّ ينطفئ خلف السّحاب ، وينثر رذاذ ألوان الطيف المذهلة بين التفافات الغيوم ، ومنعكسا على صفحة الماء الفضية التي تترقرق مع نفخات الرياح ، ليَشوبَ الفضة لمعة الذهب واصفرار النحاس مع ضربة برتقالية احترافية ...

يااااه !!!!  كم سرق منا هذا الجهاز الصغير متعة الإحساس بالواقع ونشوة الحنين ...

 ××××××

بقلم : نادية محمود العلي 

الجمعة، 15 يوليو 2022

الثقب الأسود

ثقب-أسود-هالة-أورا-شباب-حياة-كهولة- 

                                               الثقب الأسود



كان قد أتمَّ السابعة عشر بتلك الروح والعزيمة ،بتلك الهالة التي تحيط به وتجعلك منجذبا لذلك النور في جبهته وتلك الحياة النابضة في عينيه الزيتونيتين ،أتم السابعة عشر وقد أذهل معلميه بذكائه ،والأقارب والمعارف بسلوكه واحترامه وثورة الشباب المتقدة ...

كان يحل مسائل الرياضيات والفيزياء بسرعة وذكاء ويُصحّح الأخطاء وما يعصى على المعلمين في المدرسة ، وكان يساعد والده الفقير في العمل ويساعد زملاءه وكل من يسأله العون ،ولم يكن هناك حدود لتطلعاته وأهدافه ...

 نعم كان ذلك الشاب الواعد المثالي الذي توّقع الجميع أن يكون مستقبله باهرا ذا شأن ،وأن يترك بصمة في تاريخ البشرية ...

السابعة عشر إذن هي الخطوة التي تسبق آخر سنة في الثانوية ، السنة التي تحدد مستقبله في الجامعة والحياة والمسيرة المهنية والاجتماعية ،ولم يكن هناك خوف عليه فهو سريع البديهة وذكي ،سيحفظ عن ظهر قلب وسيحل كل المواد العلمية دون أدنى شك ، سيكون اسمه بلا شك من الأوائل المتفوقين وستكون كل اختصاصات الجامعة متاحة له ،وبدا المستقبل على بعد خطوتين مبتسما فاردا ذراعيه منتظرا  ليضمه إلى أحضانه  ....

إلا أنّ - ودائما هناك : إلا أنّ ، ولكن – كانت هناك بدايات تَحزُّبات جديدة في المنطقة ،والبلاد تترنح بضعف بين براثن السلطة والشعب ،ومُفترسات مُتربّصة تنتظر لحظة الانقضاض ،وشاب مثله كان محطَّ أنظار ؛فبدأت المغريات والتهديدات في حالة الرفض وحتى محاولات للاغتيال ، وبدأ الخوف والأمل والثورة والخنوع والألم والنشوة والعقل والرغبة يحبكون نسيجا قاتم اللون غطى تلك الهالة التي كانت تتوهج حوله ،وكتم الروح بقسوة ، وبدأ الشاب يترنح كالبلاد ، وفي يوم الاختبارات النهائية سقط مغمى عليه وبقي في غيبوبة طويلة ثم استفاق بعد الاختبارات وقد ضاعت سنة التخرج وضاع كل شيء في تلك اللحظة ....

ماتت الروح فعلا واختفت تلك الهالة ولم يعد قادرا أن يعيد الثانوية وكان أسهل الحلول بالنسبة له إغراءات الأحزاب تلك، فأخذوه بعيدا خارج البلاد ، جنّدوه  باسم الدين والوطن والمبادئ ،كان يعرف أنه مات والولادة الجديدة يجب أن تعيش ...

عاش شخصا آخر ...شخصا جديدا .... يكسب قُوتَ يومه من الكلمات الرنانة،واللعب في صدور البسطاء بقذف خطابات الدين الزائفة وفتاوي مارقة ودعوات بدت صادقة ....

الآن على مشارف الستين عاما التي ابتلعت السابعة عشر كأفعى تنقض فجأة تبتلع الفريسة ثم تستغرق طويلا لهضمها ، لم يتبق من فتى السابعة عشرة إلا الحمض النووي للجسد ، تغيّرتْ حتى الصفات الجسمانية ،جسد بدين و شعر أبيض أسقطت الأيام معظمه ،عينان عسليتان مُجهدتان لا حياة فيها ،أعملت التجاعيد أظافرها على الجبهة وتحت العينين ،والشيخوخة استراحت في المفاصل والعظام ....

هل كانت اختياراته من قتل الشاب الواعد وهالة الحياة في الروح ؟ أم  كانت الأقدار التي ساقت في دربه تلك التَّحزُّبات والمفترسات ؟

هل قتلت الحياة تلك الحياة الصغيرة قبل أن يحضنها المستقبل الذي كان واقفا هناك على بعد خطوتين ؟ أم قرارات ذلك الشاب من اغتالت مستقبله قبل أن يحضنه؟

لا أعرف حقا ... أعرف فقط أن تلك الهالة العظيمة صارت ثقبا أسود ابتلع كل شيء ، وحزنتُ جدا .... حزنتُ جدا....

 

  ......


بقلم :نادية محمود العلي 

 

الثلاثاء، 19 أبريل 2022

في ليلة سمر

 

في ليلة سمر




كانت ليلة صيف عتيقة يحلو فيها السمر، تتعالى الأصوات و القهقهات والجميع يتكلم في وقت واحد فتُبتَر الأحاديث ولا تكاد تفقه منها شيئا ، وكنا أطفالا صغارا نجري هنا وهناك وجدتي تؤنبنا لأننا لا ننصت لها ونهدأ ...

فجأة انقطعت الكهرباء وساد الظلام الدامس وهيمن الصمت وهدأ الأطفال وصمت الكبار ، وبدأ السكون والظلام يتسللان إلى مسرح الأحداث. وعند تلك اللحظة هناك في السماء الحالكة بدأت تتلألأ النجوم كحبَّات اللؤلؤ، عديدة كثيرة لا تحصى ، فالظلام يجعلها تشع حتى تكاد ترى المجرة كاملة بعظمتها هناك ...

استلقيت على ظهري ناعسة ،لكن مشهد النجوم أغراني ،فمددت إصبعي الصغير لأحصيها وأعدها : واحد ، اثنان ، ثلاثة .........

 تصرخ جدتي مقاطعة : لا تعدي النجوم ، ستظهر لك ثآليل في جسمك بعددها !

خائفة أسألها : لماذا ؟!

جدتي :قديما قالوا لنا ذلك ...

إصبعي الصغير يتراجع بجانب جسمي مترددا ،أقبضه وأبسطه محاولة العدّ بخوف طفولي، ما بين مصدق للأسطورة ومكذب من دون أن أعرف الجواب ...

قديما قالوا أشياء كثيرة ، وما زالوا يقولون ، يقتلون فينا الطموح وحب المعرفة بالخوف والجهل ، ويجعلوننا لا نتساءل ، لا نفكر، لا نتجرأ ،كقادتنا الملتصقة مؤخراتهم على الكراسي بصمغ الطمع والغرور ،جاعلين من الرعية أغناما تجتر الخيبة والخوف والفقر ،فلا أفق هناك في الوطن ،وأصداف فُصِّلت لكل منا واحدة على القد لإيهامنا بأننا لآلئ بصمتنا وسكوتنا وخنوعنا ، وأننا ننشد السلام ....

 هل فقدتَ الشعور بالوطن حتى صرتَ تستصغر هذي الكرة الضخمة !

هل تضاءلتْ كل مغريات الحياة حتى بتَّ تشعر بالاكتفاء والزهد!

هل حلّقتَ عاليا في سماء العقلانية حتى صرت ترى الناس أحجار شطرنج فتحزر كل نقلة على رقعة اللعبة !

هل وصلت لتلك الحالة الملكية التي صرت فيها تتقبل برحابة كل من حولك !

إذا كان كذلك فأنتَ قد وصلتْ ،ولا تنظر خلفك أبدا ،سيصفعك القديم إن فعلت ، وسيقيدك  الوطن خلف قضبان الإخلاص، ويضنيك الاحتياج للآخر...

هذي هي الحرية المنشودة ...

 

 *****

 بقلم :نادية محمود العلي 

الجمعة، 15 أبريل 2022

رسالة بلا عنوان

 

سأدعوك اليوم يمامتي ،فأنا زيزفونتك أتذكرين   ! 

وتراودني رغبة عارمة بأن أخبرك عني ما لا تعرفين …


هنا يا يمامتي لم تعد جارتي اليمامة ،فقد جاورتني جبال شاهقة عتيقة لا تشيخ ظهورها، من وراءها شمس تغرب ساكبة كل ألوان الطيف بعظمة وخفة كأنامل  فنان لن تضاهي   براعته عبقرية دافنشي، ثم تشرق عند كل صبح قاتلة  عتمة الليل وكانسة كل فتات النوم   الذي ذراه أرق شقيٌّ يعبث كل ليلة في مقتنيات صدري وقلبي …

هنا الزمن يبدو قد توقف ،وغاليتك ماتت مرتين …ماتت افتراضيا وماتت من تعرفين حقيقة

هنا يا يمامتي فقدت الشعور بالواقع وأكاد أقسم أني أعيش حلما في اليقظة ،ولأول مرة   أخاف الموت لأنه مجهول …

تصارعني الأفكار وأصارعها  كالدون كيشوت  ،وتدور تدور مراوح طواحينها مع رياح    الأعاصير والحروب ؛حتى فقدت الكثير من معتقداتي وكأني أخرى لن تعرفين،

وبت بلا وطن تقتلعني دوامات الغربة من الجذور من الجذور ، وهو شعور قاس لو كنت    تعلمين …


يمامتي : ما عليك من جيل الديجتال و الالكترونيات فهم لا يعرفون أن للقهوة سحر غجري، وأن للشمس مغناطيسية عاصفة ،وللقمر خجل عذراء ،وللجبل صمت شاهق … 

هم لا يعرفون أننا نرسم بالحروف وننسج بالحروف …

أخيرا يمامتي أود أن أخبرك أنك بجناحيك الصغيرين دوما تنفضين الرماد لتستيقظ   العنقاء مجددا ومجددا بعد احتراقها وخمودها في رماد نيران الواقع …


لك مني السلام 

والشكر موصول لساعي البريد 

غاليتك نادية



الخميس، 3 مارس 2022

 


راق لي اليوم أن أدعوك بغاليتي كسابق عهدنا قبل بشرى ،

 حينها لم أكن استسيغ اسمك في العالم الافتراضي ،وما اعتدت اسمك الحقيقي بعد ،فركنت إلي شعوري نحوك ، وهكذا كنت ومازلت غاليتي... حتى ينام القمر

بطبيعة الحال لن أسألك عن حالك لأني أقف عليه و أعرف منه المقدار الذي ترضين، ولا يساورني ذرة فضول لمزيد.

كما وأني لست على يقين أن رسالتي تلك ستصلك  ،و على الرغم من ذلك غلبتني رغبتي بالكتابة لك ،ربما تكون رغبة إختبار تجربة ساعي البريد الإلكتروني بعد أن إختبرت معك من قبل ساعي البريد الذي طواه عصر مواقع التواصل.

دعيني أخبرك غاليتي بمفارقة عجيبة ،بالأمس صغيرتي وصفت كل هذا بالهراء والعبث ،قالت أن الوتيرة المتلاحقة للحياة التهمت طاقة القراءة والكتابة لدى البشر ،وأنها على سبيل المثال تصاب بالغثيان في حال أرغمتها على قراءة خاطرة أو نص ،هي تدعي أن هذا حال جيل بالكامل ،و برهنت على تلك الوكسة وقالت.. يا أمي أثناء المحادثة نحن نستبدل مقطع صوتي بالكامل مكون من مجموعة حروف برقم يفي بالغرض ،اما أنتم معشر الكتاب تتخذون للمعنى ألف كلمة إلا كلمة..!

لنا الله ...

ما علينا.... دعينا غاليتي منهم ومن تعجلهم  المقيت فتلك العجلة حقيقة لا تليق بنا ،نحن أتباع فنجان القهوة، نحن من يغرينا الخريف بوريقات برتقالية ،نحن من لنا إلهام في موجة بحر و سحابة عابرة و تغريد حسون ،نحن من إذا راق لنا الصمت يؤنسنا القمر ،و إذا ما فاضت منا الروح  نسهب للنجوم.

هل أخبرتك غاليتي  أن نافذتي الجديدة سكنتها يمامة جديدة ..!؟ هي أيضا تقرؤك السلآم والمحبة.

أيضا أود أن أخبرك أن الجميع هنا بخير _أو هذا ما أود أن أصدق _ بعد كل ما اجتاحنا من زلازل و براكين و أعاصير ، البعض هنا فقد حاسة أو أكثر والبعض الآخر أصابه العرج ، لا بأس ..هكذا أخبرني صغيري  ،قال أني فقط أعاني من بعض خلط فالمفاهيم ،و قصور فالرؤية ،عدى عن ذلك فالأمر مستتب ولله الحمد.

أخيرا وليس آخرا غاليتي... قد علمت بما لا يدع مجالا للشك ،أن ما عندنا ينفد ،وما عند الله باق ، كله كله غاليتي ينفد ،الفوز والخسارة ،المؤازرة و الخذلان ، الحب و الكره ، الإقبال والنفور ،الشهامة و الخسة ،الإنصاف و القهر ، العدل و الظلم ،العجز و القدرة ، الذل و الشموخ ، الإشتهاء و الزهد...... كله مآله النفاد غاليتي.

صادق المحبة و الدعاء غاليتي و إلى لقاء آخر يجمعنا هنا او هناك.



الأحد، 16 يناير 2022


 عزيزي المتوحش المتوحد

تحية طيبة وبعد

لن اشغلك بالسؤال عن حالك ، أعلم  أنه دائما وأبدا ليس لديك متسعا من الوقت لهذا الهراء ،وبالتأكيد الإجابة ستكون بخير ،وإن كنت على يقين إنك لست بخير ،مع العلم أنك البشري الوحيد على سطح الكوكب الذي يجهل ذلك..

أيضا لن اسألك كيف تمضي الأيام والليالي ،اعلم جيدا أن لديك من المهام ما يشغلك حتى قيام الساعة...

 وفقدت الفضول ،فلا يعنيني كيف انسلخت بهذا الكم الرهيب من اليسر حتى بتنا غرباء كأن لم يجمعنا يوما درب  ...


دعني فقط اسألك عني ،هل تعرفني..؛ هل عرفتني قط..!!

من أنا ..؛أين أنا...!!

هل تدرك كم من الزمن مر وأنا هنا..!

مر عمر ...بل أعمار... مر الكثير والكثير من الحكايا ،سكنت الأحداث كلها ،كلا بل أنا من صنعت مشاهدها ورتبتها بالشكل الذي هي عليه الآن ،وفي كل آن


كنت هنا دائما ..منذ الشهقة الأولى، الحرف الأول والخطوة الأولى ،وما قبلهم أيضا كنت هنا...


ترى إلى أي فجوة لعينة تذهب تلك الذكريات.. أي ثقب أسود يلتهمها ويطمس وجودها ،بأي منطق تتساوى لديك مع اللا شيء.

عزيزي البائس الشهي ..

دعني أخبرك عن حالي قليلا... او كثيرا ،سيان كلا الأمرين ،فلن يصلك منهما لا القليل ولا الكثير، بيد أنه لا يعنيك.

إعلم عزيزي أني لست حزينة ،بل أنا في غاية الامتنان لحالي _لله الفضل والمنة_، نذرت القادم من العمر للجهاد ،وما الشهادة في عرف المجاهد إلا تسديد ونصر من الله

يحدث أن انعصف ،يقرصني بين حين وآخر زمهرير الوحدة، فيستعمرني الخوف أو أمارس التيه في غاباته الغائمة لبرهة ،كما يكويني وخز الخذلان ،فينهمر الدمع الغزير لفداحة الخسائر وويل المصاب ، نعم.. يحدث أن يميد بي كوني ،يثير في الغثيان بعض أسئلة على غرار ماذا لو وماذا بعد ولماذا لم يكن  ،وبين لوم ولهفة ، سرعان ما تهدأ العاصفة ،تسكن الاشياء والمسميات والاوصاف داخلي ومن حولي ، فيتلاشى أي أو كل من ذلك ،عندها ادرك كم كبرت ...


كم من السخافات نبتلعها عنوة تحت وطأة شعار "كل حلو ومر يمر لا شيء يستمر"..


عزيزي الأحمق الجبان حد إتقان الهروب والاختفاء في الجحور المظلمة القميئة ،الجحور التي تعيفها نفسك ، بأعلى الصوت اصرخ في وجهك ..كم انت مقزز مثير للاشمئزاز والشفقة معا، فلتحل عليك كل اللعنات التي تنفر منها النفس السوية، أتمنى لك المزيد والمزيد من الشقاء والبؤس والجوع الذي تود  ، أتمنى أن تنال من الوحدة القدر الذي ترضاه نفسك ،فلا تجد من يسمعك ولا من تسمعه ،أرجو لك دوام التحديق فالفضاء الشاسع البعيد وطول الأمل والامد فلا يكبلك حنون ولا يردعك غال ولا حبيب.

وفي ختام الأمنيات أدعو الله أن يصرفني عنك كما صرفك عني وأن يربط على قلبي فلا يضيرني فيك ولا منك.


عزيزي المشغول حد الدوران اسرع من عقرب الثواني اقترب قليلا دعني أسكب في أذنك سرا كالعادة لا يعنيك 

نعم نعم أقترب اكثر عزيزي حتى لا اسمعني فأنا لم أخبرني كما ولن أخبرني أيضا

هل أنت مستعد الآن ... بصوت خااااافت يوازي ولا يعلو فوق صوت الصمت ،يهمس النابض في أذنك وشوشة مفادها اشتقتك يا هذا ولكن...

لي تحت رأسك البائس كتف يلزمني ...ولكن..

ثمة نظرة تعود لي ،اضعتها في عينيك ، كانت تملئ كوني رضا وأمان وحبور.. هل عثرت عليها  جبرا بخاطري..لكن....

ويحها من لكن... لو لم تكن تلك اللكن العنيدة تتجول فالحكايا يمينا يسارا تعيث فسادا ،كنت أخبرتك كم اشتاق صوتك ودهشتك وتلاحق أنفاسك ... لكن..

كنت أخبرتك أني لا أطمئن علي سوى بين يديك ،وأنك الحقيقة الراسخة الوحيدة في عالم غارق فالزيف... لكن..!!!