الأربعاء، 1 سبتمبر 2021

 


كمد وكبد

نعم نعم ابكي ، أكثر وأكثر ابكي عزيزتي ، بت يطربني منك النشيج، كم يليق بعينيك البكاء، تشع منهما لمعة محببة وبريق يعوضهما عن الحسن المفقود

أنت عزيزتي المسؤول الوحيد عن تلك المأساة، إياك وانتحال دور الضحية، أنت المجرم في الحكاية ومنذ البداية أيضا ، أنت من ألبسها ثوب قصة الحب الضيق، فكم كان جليا حينها أنه لم ولن يناسبها البتة، هي لم تكن قصة حب ، بل والأدهى من ذلك أنها لم تكن قصة من الأساس، أنت وحدك من أراد لها أن تكون، و إصرارك المستميت ذاك هو بالتحديد جريمتك التي تنكرين

كان من الممكن أن نتحاشى هذا العناء المرير إن أدركت بعضا من مفاهيم المقايضة و تبادل المنفعة، بعض قيم على غرار التغافل واللامبالاة كان من شأنها أن تكفينا تكبد تلك النكبة، أتعلمين ..!؟ حتى الأنا ....القليل منها فقط كان كفيلا أن يعصمنا من هذا الإعصار

محض هراء......

لا أدر من ظننت نفسك،،!؟

كيف سول لك عقلك الضئيل حتمية إتيان الرياح بما تشتهيه السفن..!؟،،، يالك من بلهاء 

 بدمع المقل يوما بعد يوم رويت تلك البذرة العقيم في جوفك، كم أنذرتك حينها أيتها الحمقاء، ولم أجد منك إنصات منصف، كان عليك أن تدركي أنها بذرة متصحرة لا تجود بثمر، ولا يرجى منها حتى الزهر، اللآن وقد باتت شجرة ضخمة، ضاربة جذورها في العمق  ، على أغصانها أعشاش  يأوي إليها الطير البهي من كل حدب وصوب، ليس لك عزيزتي سوى التعايش، ولا يحق لك التأوه أو التذمر ..

أدرك فداحة الأمر،  أدرك أيضا استحالة اقتلاعها، كما أعي جيدا وجع التحام جذورها  بالأوصال منك، لكن لعلك أيضا تدركين أن البحر من أمامك والعدو من خلفك ولا مفر لك من الوجع سواء في البقاء أو الرحيل..

أم الآن و قد كان ما كان، أراك تحيين حياة المغشي عليه من الموت ،،،فماذا علينا أن نفعل ..!؟

ها،،،،!؟

هيا أخبريني الآن ... ماذا بعد..!؟


أعلم أن ثمة نصل سكين غير مرئي يشق صدرك ، أخذ موضعه الآن بمنتهى الثبات والتؤدة، أنا فقط من تراه عزيزتي، وهذا القرمزي يسيل منك ببطئ ،وأنا أو أنت ليس لنا من الأمر حيلة ، علينا أن نكمل المسير بغض النظر عن كل شيء ،حتى يحدث الله أمرا كان مفعولا

عزيزتي أنا الناصح الأمين الوحيد الذي تملكين...

لا بأس ربما هي فرصة اللحاق بما قد فات، من الحكمة أن تعي أن النجاة من الطوفان فرض عين، والرضا بالمقسوم عبادة، ضعي عزيزتي الأمور في نصابها الذي تستحق، وكفي عن التخبط والعته  فلن يصل بك إلى مقصد، لجمي هذا النابض البائس فما من أحد يبادله الهوى، هيا عزيزتي انتصبي شامخة بعزة المجاهد، حلقي بذراعيك لأعلى مدى، احشدي بصدرك ذرات أكسجين الكون يا طيبة السريرة ،اهجري البؤس وكفكفي الدمع واجعلي نصب عينيك واحة مستقرها عند آخر النفق، واحة شمسها تدعى سكينة، أرضها ود وسمائها الرحمة، يفوح منها الطيب مسيرة عمر، لعمرك هي النعيم والراحة وما دونها كمد و كبد.


الاثنين، 23 أغسطس 2021




الشغف

بمرور الزمن ننشغل بملاحقة بعض مكاسب.... وبينما تتشبث أصابعنا بهم ينفلت على حين غفلة الكثير من الممتلكات ......
ببيتنا القديم كان يرقد دولابنا ذي الثلاث درف، يرقد بوقار عجوز يحمل بداخله ما لا يقل عن صندوق العجائب غرابة وإبهار ،وأنا الصغيرة التي يقتلها فضول العبث بالأشياء الممنوعة، نعم أعلم جيدا أن هذا العجوز يخبئ الشغف في رفه العلوي وأتحين الوقت الذي تكون أمي به في الخارج، أركض إلى حيث ضالتي وأنا لا أدري هل أنا أسرع أم دقات قلبي، ولسان حالي يردد « يا هذا ....بداخلك شيء يعنيني»، أفتح الدرفة الثالثة وأستعمل الكرسي وأتناول حقيبة أمي المرصعة بالأحجار اللامعة ، وبمجرد أن تلمس أناملي الحقيبة يهدأ قلبي الصغير ،يحل به السرور والسكينة ويتبدد القلق ،تعلو البسمة فوق ملامحي ،تلمع عيني مع انعكاسات لمعة الحقيبة عندما أخرج منها علبة في جراب مخمل أسود مطرز عليه كتابة باللون الذهبي ، تلك الكتابة في حد ذاتها لا تعنيني البتة لكنها من شأنها أن تزيد من لهفتي ، بمنتهى السعادة أفتح العلبة ليفوح منها رائحة والله كأنها الجنة ، العلبة عبارة عن شقين إحداهما مرآة والآخر يضم كل ألوان المجرة التي خلقها الله ، وعلى اليسار تقبع فرشاة صغيرة أستعملها كعصاة سحرية أطبق بها ألوان المجرة على وجهي الصغير ، بسخاء أزرع حدائق بنفسج فوق إحدى عيني وزنابق فوق العين الأخرى ويطرح التوليب في غير موسمه فوق وجنتي ويسيل الكرز من شفتاي ، أتأملني وجمالي برضى وامتنان بالغين ثم لا ألبث أن أجرف تلك الغابات عن وجهي لأرسم لوحات ولوحات لا تقل إحداهن صخب عن الأخرى، وبينما أنا مستغرقة في شغفي حتى أذناي حرفيا،،،،، أفيق وقد سرقني الوقت وأتذكر أنه عليّ أن أزيل آثار العدوان قبل عودة أمي وإخفاء جميع الأدلة التي يمكن أن تدينني بالجرم ، فتهرب الطمأنينة من جديد وأعود أنا وقلبي للركض معا نغسل ونرفع ونغلق ونعيد كل شيء إلى سيرته الأولى، بعودة أمي أظن أن كل شيء على ما يرام ،لكنها بمجرد النظر تدرك ما حدث وبالتالي أنال عقابا شديدا يظل بالذاكرة حتى تغادر أمي المنزل مرة لاحقة ، عندها أكون قد تعلمت الدرس جيدا أو هكذا على ما أظن ....لقد أصبحت الآن أكثر حرصا واحترافية في اخفاء معالم الجريمة وطمس براهين الإدانة فلا تشي بي عيني الملطخة أوالحقيبة الغير مغلقة.

أمي..... لقد كبرت يا أمي !

- اليوم من حيث الخامسة والأربعين أحدثكم ...

- وقفت أمام المرآة وانتبهت أنه قد مر زمنا طويلا لم أمس فيه أدوات التجميل ، ما عادت ألوان المجرة تغريني... أطلت النظر وأنا أفكر متى بالتحديد ولماذا فقدت الشغف، كيف فقدت الأشياء متعتها التي كنا نعهدها..!؟

لا بأس ...فالشغف ليس الفقد الوحيد الذي يحدث أن نختبره مع التقدم بالعمر ، كما أنه ولله الحمد_ كسائر الاشياء_ سيان.... به أو بدونه تستمر الحياة... أو هكذا على ما يبدو ...!


الجمعة، 23 أبريل 2021

 



ابدا ما دامت السماوات والارض، سيظل الراسخون اعينهم ترقب الساعات ،تتحين لحظة هدنة ،والسنتهم تلهج :ان ماذا بعد..!؟
هل زارك الموت؟
هل طرق يوما بابك؟
هل تقاطعت طرقاتكم ذات لحظة؟
ربما عندها تدفعه بعيدا وتكمل مشوارك دون توقف ولن تعيره أدنى انتباه او ربما تدس يدك في جيب معطفه العتيق الذي لا يبله الزمان.. تفتش داخله عن مآرب.. عندها دعني القي عليك من قلبي السلام، واهديك خالص الدعاء، عل السكينة تجاور روحك يوما ما يا مسكين... فلست بصدد الحديث عنك اليوم.
أتحدث عن اولئك الذين يصطدم الموت بتروس ساعتهم فيصيب عقاربها بالتوقف ليحل السكون ويعلو صوت الصمت فتتجمد الاشياء من حولهم
فترى الكون فيك ومن حولك ،كمدينة مسحورة لمستها عصاة سحرية ،سرقت منها النبض وتركتها على حالها
تلك اللحظات هي بمثابة هدنة او استراحة محارب للبعض
هي ولادة لحالة صوفية ..تستقر في الوجدان_ ولو لم تكن عقيدة_ فهي شعور نقي بريء من اي غريزة ،شعور ممتلئ بالنور والطهر و القناعة والرضا والزهد وكل ما هو ابيض يضوع منه المسك
هي فلك كفت اجرامه عن الحركة ان جاز التصور ،في تلك اللحظة بالتحديد يحدث ان تلتقي المواسم، كأن تغتسل زهور حزيران بامطار كانون .. لم لا وقد سكنت الحركة فلا صدام ولا دفع ولا جذب
هي شق في جدار الزمن التليد، يلتقي عندها كلا من الماضي والحاضر متجردين من كل شيء، عندها يا رعاكم الله حقيقة لست ادري ..يا لهول المشهد ... ترى هل نسترسل في ازالة شوقنا للماضي ،نشم روائحه المنسية، نلتقي مبسم بمبسم، ننعش الذاكرة بملامح ضافت عليها السنين خطوط، نلمس تجاويف لم يكن عهدنا بها هنا ...ام نتعجل في قبلات الوداع و نكتب بنود وصية لحقب قادمة و نلوح بكفوف الرحيل مستودعينهم امانة الله ...فالحقيقة لست على يقين إن كان سيسعفنا الوقت ام كعادته عجول، لن يلبث الا وقد رأب الجدار ...واخذت الاجرام مواقعها بقمة الاستعداد لتمارس دورانها المعتاد في الفلك ... و دارت عقارب الساعة من جديد لتعلن للكون اجمع ....ان يا عباد الله .....اسمعوا و عوا والحاضر يعلم الغائب (ما قد جرى ما هو الا ناموس الكون ،هو حكمة الله في خلقه، و الموت ما هو الا سنة الحياة).
لا ينبغي ان تطول الهدنة عن كونها هدنة والا باتت علة عضال وشلل يستوجب العلاج
كما ان قصر الهدنة لن يسمح بتأمل المشهد كما ينبغي بالقدر الذي يسمح بالخروج منه بمكاسب حقيقية ولن يظهر مدى فداحة الاستغراق فالزيف على حساب الرشد.
من الحكمة ان نبتغي بين ذلك سبيلا ومن اوتي الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا

الخميس، 11 فبراير 2021

من بؤرة الإعصار

خواطر- قصص -شغف-حياة موت - 

من بؤرة الإعصار



ها هو ضوء النهار يحاول كنس عتمة الليلة المتقهقرة للتوّ، وقطيراتُ الندى تنفث ضبابا متصاعدا وهي تتبخّر من حضن الثرى تتلوّى مع انكسارات الضيّ الوليد ...

في تلك اللحظات توقفت السيارة عند تقاطع الطرق على نذير الضوء الأحمر ، وراحت عيناها تراقبان أضواء السيارات الباهتة مع انفلاقة الفجر الخديج ، فبدت أضواء السيارات كالعيون بمختلف الأشكال : هذه تبدو غاضبة وتلك مبتسمة ،وهذي مسالمة وتلك تبدو شريرة كساحرات الرسوم المتحركة ...

وبدت السيارات بأضوائها و بازدحامها كأمواج نهر تجرف في طريقها لآلئ مضيئة وترشق صدر السماء بانبعاثات الكربون ...

تبدو اللحظات بطيئة إلى حين سطوع الأخضر ثم تنطلق السيارة تطوي الإسفلت وراءها ،تميل عند ذاك المنحنى ،وتتخطّى عامل النظافة عند تلك الزاوية ،وتتنشّق ذات الرائحة عند ذاك المنعطف ، ثم تأخذ الطريق في عكس اتجاه الشروق ، وهنا تبدأ ملامح الأبراج البعيدة تظهر من بين سحاب مهيب ، يبدو كأنّه دخان عند الأفق ، وفي كلّ مرّة تعتقد أنها عاصفة هوجاء تتجه نحو المدينة ، إلا أن الأيام والروتين علّماها أنّه مجرد دخان رمادي أو سحاب يغشى الأفق عند شروق كل يوم ،فتبدو أبراج المدينة فيها شاهقة تقطع هاماتها الهيفاء تلك الهالة المهيبة...

 كان هذا المشهد يتكرّر في بزوغ كلّ يوم جديد عند ذهابها إلى العمل ، وكانت ترشف قهوتها ببطء على مزيج أصواتٍ شتى ،هدير ومزامير وأنين رياح تحاول الولوج من نوافذ السّيارة حاملة معها رائحة انبعاثات الكربون والدّخان والغبار فتثقل الرئتين بهواء ملوث، ولربما يعطيها كافيين القهوة الطاقة للنهوض و الاستمرار إلا أن القهوة فقدت نكهتها مع ازدحام المدينة وأصواتها المُنفّرة وتلك الرائحة المقيتة ...

لا تريد أن تفقد شغفها بقهوتها ولا بروتين حياتها ولا بأهداف سعت لتحقيقها وبالتأكيد لا تريد فقدان الشغف بالرغبة بالحياة ، ذلك الشغف لطالما أعطاها القوة والقدرة على الاستمرار ....

"لا بدّ من حلّ " همست لعزيمتها ...

كان الحلّ - رغم ضيق الوقت -  تخصيص وقت قبيل الغروب وعند الانتهاء من كلّ مهام العمل والمنزل للذهاب للتريّض في الحديقة القريبة ، وإطعام القطط فيها، والتعرض لأشعة الشمس ورؤية ألوان أمنا الطبيعة التي حاكتها بمغزلها لوحة فنية تبهر العيون ، إذ إنّ هذه الأفعال تحسَن المزاج وتُشعر بالراحة وترفع من مستوى هرمونات السعادة ...

لفت نظرهم شاب نحيل بشعر مُجعّد وطويل يأتي كل يوم ويطعم ثلاثة قطط صغيرة يبدو أنها فقدت أمها ،كان يجلب الحليب والطعام لها و يمسح وجهها وجسمها بمناديل وماء ، ويداعبها ويبقى بجوارها زمنا ثم يرفع البقايا والنفايات ويترك لها الماء النظيف في علبة و يرحل ...

في كلّ يوم في نفس الموعد يأتي وتأتي معه قطط جديدة ، يبدو أنه وجد شغفه ...

 أطلقتْ على الشاب اسم  "جامع القطط " وأعطتْ اسما لكل قط ّفي الحديقة : الرّمادي ، الأشقر ، الرضيعة المرقطة، الجد، الفضية ، الغليظ ،المتنمر ....

كان ذلك حقا كفيلاً بإدخال السعادة والشغف من جديد في روتين حياتهم ...

مع مرور الأيام توقف الشاب جامع القطط  عن المجيء ، ثم اختفى الأشقر الجديد ، تلاه الرضيعة المرقطة ، و استمرت سلسلة الاختفاءات، فشعروا بالحيرة وتمنوا أن يكون جامع القطط قد أخذهم معه وأنهم بخير لم تدهسهم سيارة أو يؤذيهم أحد ...

خلتِ الحديقة من القطط الصغيرة وبقيت الكبيرة القادرة على عراك الحياة ، إلا أن إناثها كانت تستعد لولادة حيوات جديدة لا أدري إن كانت قادرة على البقاء أيضا ....

لا شيء في الحياة يبقى ساكنا على حاله ،ذرات الكون خُلقت في حالة حركة ،وكل شيء يهتزّ ويتغيّر ويتبدّل وتستمرّ الحياة بكلّ ما فيها ،جِدْ شغفك حتّى في أبسط الأشياء لتعيش بحبّ ، فالموت دائما لا يُمهل ،هو سريع كالعاصفة ساكن كبؤرة الإعصار ...

 

*****


بقلم : نادية محمود العلي