الخميس، 23 أبريل 2015


الرسم بالقهوة 












لوحة ذكريات شاحبة



لوحة ذكرياتٍ شاحبة




أشعةُ الشمسِ تكنسُ ظلالَ ليلي ، وبخارُ قهوةِ الصباح يتكاثفُ

 غيوما غاسلا أضغاثَ أحلامي ، وأسمع  صوتَ عجلات عربة


 بائعة التوت على حجارة الرصيف كطقطقةِ أغصانٍ متكسرةٍ 

جافةٍ في جوفِ  نارٍ ذات لظى    ...


أُطليتُ من شرفتي بلهفةِ من قبضَ أخيرا على الذكريات بعد أن


 ذرتها رياح الشتاء الشمالية ...




فبائعةُ التوت الصَّبيَّة  تأتي في كلِّ ربيع، دافعة عربتها المُحمَّلةَ

 بالتوت ، لتبيعه عند تلك الزاوية ، وأصبح رؤيتها هناك من 

علامات قدوم الربيع ، وتلفتُ انتباهي بباقةٍ من ورد الجوري

 تزيّن بها العربة ، وبينها عرق من اللافندر البنفسجي ، تعطيه

 لآخر شخص يشتري منها التوت ، هديةَ امتنانٍ أنْ نفدتْ 

بضاعتها أخيرا ...


وكنت أتقصَّدُ أن أراقب من شرفتي حتى أنتهز الفرصة لشراء


 آخر كمية منها ، لأحظى بعرق اللافندر ...


في عروق يديها كدحُ شبابٍ صابر ، وفي ابتسامة عينيها 


الحزينة  رسمٌ لن تعرفه ريشةُ " دافنشي "  ، في لوحةِ صبية ٍ


أشاخت كاهلها أحمال الزمن ، إلا أنّ ربيعَ الشباب أعطى


 وجنتيها حمرةَ التوتِ  ونضارةَ اللافندر ....




إنها ثورةٌ من ثوراتِ الربيع ، كوابلٍ عاصفٍ في جنونِ يوم ٍ

مشرق  ، أو كثورة أشجار اللوز التي سُميَّتْ


" بالمجنونة "  لأنَّ أزهارها تتفتح قبل  أن تورقَ أغصانها ، 


بيضاءُ بتلاتها مشوبة بضرباتِ ريشةٍ إلهيةٍ ورديَّةِ اللون ، 


 تكتسي بها تلك الأفنانُ العارية ، بخلاف كل قريناتها من


 الأشجار ، ولا يهمها أن تُنعَتَ ب "المجنونة " ، فهي برغم كل


 شيء  فخورة  بتميُّزٍ حباه خالقها لها...


وأحيانا يكاد يتناهى لسمعي قهقهاتُ شجرةِ اللّوز  متحديةً 


بسخرية : " أنا عروس البستان  ، بثوبٍ أبيض  كالثلج ، وأنتن 


وريقات خضراء صغيرة  "


ولا أدري إن حقدتْ عليها جارتها الشجرات  اللواتي  اكتسين 


بتبرعماتِ الوريقات الخضراء ، أم اكتفين بهزّ أكتافهن بلامبالاة 


، وهنَّ يتمتمن : " مجنونة "  ...



مرّ ربيعٌ وربيع ...


شرفتي العتيقة  سكنها الغرباء  ،  و غيومُ بخارِ قهوتي انقشعتْ 


أو ربما أمطرتْ منذ زمن بعيد ، وبائعةُ التوت لم تعد تقف هناك

 بحمرة وجنتيها ولا بباقة الجوريات المميزة بعرق اللافندر ،

 وأشجار  اللوز المجنونة تقلَّصتْ مساحاتُ زراعتها حتى نأتْ 

بعيدا حول  البيوت ، كتكوّر خائفٍ في زاوية  ، بل ويكاد يمحى


 وطنٌ كامل بممحاة حرب لا ترحم بشرا أو حجرا...



هو الزمن، تمرّ فيه الأيّام ، وتهوي لينة الناب ، بعد أن افترست


 ما افترست من نضارة الجسد ، وثورة الروح ، وعصبونات 

الدماغ وعصارة الفكر ...


فإن كنتَ صالحا كان الفائز أنتْ ، وإن كنتَ طالحا كان الفائز 

الشيطان  ...


و برغم شحوب اللوحات مازلتُ أشتمّ رائحة اللافندر ، وأسمعُ

 قهقهة َأشجار اللوز المجنونة ، كأنَّها سرابٌ في حضن الظهيرة


 ، رسمته خيوط الشمس على ذلك الطريق الإسفلتي ، الذي 


مهما تشعب وطال، فهو في جهة واحدة  : " من المهد إلى


 اللَّحد "  ومحطاتُه أعمالنُا الصالحة وذكرياتٌ جميلة جمعناها


 بأيدينا الصغيرة كزهراتٍ ملونة ، حتى لو ذبلت تبقى زهورا ...




هي ذكرياتنا الشاحبة ، كلوحةِ بائعةِ التوت ، وزهرِ اللوز ، 


بريشةِ الزمن ....




 ****


 بقلم مؤيدة بنصر الله 








الثلاثاء، 21 أبريل 2015

باللون الأزرق




باللّون الأزرق





عند اللون الأزرق يبدأ البحر الأزرقْ

يسكبُ الحبرَ في دواوين قديمةْْ

يجرفُ السكونَ من قاع صمتي الأحمق ْ

يسكبُ الأحمرَ على زهورٍ عتيقةْْ

تتمازج الألوان في زهرِ بنفسجٍ أخرقْ

و تتوقف عن رسم الخطوط الريشة

تعجز أمام انسياب اللون الأزرق



والسّماء تتنهد رياحاً في خاصرة

فأشيحُ بوجهي وأواري  نظرات القلق

تكاد الريح تجمّد أطرافي  الحائرة

تحملني بعيدا وتنثرني مع بتلات الزنبق

تقذفني فأدور وأدور  كدوّامة

أضيع يا أمي كمسافر لا يعرف الطرق

وأسأل أهل الوطن عن درب سالكة

يهزّون رؤوسهم كآلةٍ بكلِّ رفقْ

لا أحد يعرف دروباً  عائدةْ ..


ضاقت بنا الدنيا بما رحبت وضاع الأفقْ

وضعنا يا أمّاهُ  في دنيّا فانيةْ ..

وأعود إلى ألواني فأعصر الأزرقْ

أبدأُ برسم لوحةِ بحرٍ وسماءٍ واعدةْ ..



****



مؤيدة بنصر الله