الأحد، 7 أغسطس 2022

جرعة حنين

 حنين-عالم -افتراضي-حقيقي-جرعة-أخ-


جرعة حنين




بين يديَّ عالم وأكوان ... بين أصابعي كل أبجديات العالم ، وأمام ناظريَّ كلُّ جميل وقبيح ...

الجغرافيا والمسافات واختلافات التوقيت طُويت كلها واُختصرت في هذا الجهاز الصغير بين راحتيّ..

عالم افتراضي ! نعم ، لكنه بات واقعا لا يمكن نكرانه ، يبتلع كأفعى ببطء العالم الحقيقي ، فجهازي الصغير ينوب عني بإرسال المعايدات والتبريكات في الأعياد والمناسبات ، والتعازي والتعاطف في الموت والمصيبة ، والأمنيات بالشفاء في المرض ...

بلمسة واحدة أشتري وأبيع وأطلب ، والمال بات أرقاما في بطاقة الكترونية صغيرة .

لا داعي للسفر لزيارة الأهل الذين تشتتوا في كل بقاع الأرض ، فها أنا بلمسة واحدة أتكلم صوتا وصورة مع أخي البعيد جدا ،رغم اختلاف التوقيت لا يهم ،فالليل لم يعد للسُبات والنهار لم يعد للمعاش ...

أخي الأكبر من وراء الشاشة والشَّيبُ يخطُّ شعره المُنحسر ، والتجاعيد تتفنن بفرشاة الزمن في وجهه ، وبصوته الأجشّ يذكرني بأيام الطفولة : " لن أنسى عندما كنتُ أضعكِ على الطاولة أمامي ،لأرسمكِ وأنت طفلة صغيرة "

أبتسم ، أنتعش ،إنها جرعة حنين انتشلتني تلك اللحظة من هذا العالم الافتراضي ...

رفعت رأسي عن شاشة الجوال ،لأرى انعكاس الشمس الغاربة على صفحات البحيرة الصغيرة التي شكلتها أمطار الأسبوع الفائت الغزيرة ...

قرصٌ برتقاليّ ينطفئ خلف السّحاب ، وينثر رذاذ ألوان الطيف المذهلة بين التفافات الغيوم ، ومنعكسا على صفحة الماء الفضية التي تترقرق مع نفخات الرياح ، ليَشوبَ الفضة لمعة الذهب واصفرار النحاس مع ضربة برتقالية احترافية ...

يااااه !!!!  كم سرق منا هذا الجهاز الصغير متعة الإحساس بالواقع ونشوة الحنين ...

 ××××××

بقلم : نادية محمود العلي