الأحد، 1 نوفمبر 2015

الأرنب والسلحفاة قصة قصيرة



الأرنب والسلحفاة 




غريبةٌ هي هذه الحياة ، كيف تمرُّ مسرعةً مع أنها تمشي ببطء !

إنَّها كالسلحفاة في قصّة " الأرنب والسلحفاة " ونحن طبعا الأرنب .. 

نتحدَّاها ونسابقها ، ونغفو لنكتشف أنّ الحياة  البطيئة قد سبقتنا ...


كانت الشمسُ على وشك الغروب ، وكانا يلعبان أمام المنزل عندما سمعا صوت والدتهما تناديهما ..

وقد كانا طفلين ارتبطا برابط الأخوة - أخوان من نفس الأمّ والأبّ -  ولدا في نفس المنزل وفي نفس الوطن ..

سابقا الحياة معا ، اختلفا وتصالحا مرارا وتكرارا ككلَّ الأخوة الصغار ....

وكانت والدتهما تناديهما دائما عند الغروب ليدخلا المنزل ، فيجمعهما عشاء الأهل ،  وسمر الصيف ، وبرد الشتاء ، وفراش دافئ وأيّامٌ أسريَّة كثيرة ....




لكنّهما في يوم من أيّام الحياة البطيئة ، كانا يتجادلان حول الميراث بعد موت والديهما ، وبأمور كثيرة ، فاختلفا وتقاتلا ، وشتما ...


وكلٌّ سار في طريق ... لم يتكلما منذ  ذلك الوقت ، ولم يتصلا ببعضهما وتمنيَّا أن يختفي كلُّ واحد منهما من حياة الآخر .....


مرّتْ الحياةُ السلحفاة وتجاوزتهما ، وهما ظلّا كلٌّ في طريق ، نسيا أو تناسيا وجود الآخر ...


تزوّجا وأصبح عندهما أولادا و بنات يكبرون ...


ابنة أحدهما الصغرى كانت تنبش في خزانة والدها ،  لتجد صورة جميلة لشابين صغيرين يشبهان بعضهما ، مبتسمين ويد كلّ واحد فيهما على كتف الآخر ...


ركضتْ تحمل الصورة وتريها لوالدها وهي تسأله : 


- من هذان الشابان يا أبي ، إنّهما يشبهانك ...


الأب حمل الصورة بيده ، وصفعةٌ قويّة من يد الزمن الصارمة ألهبتْ خدَّه ، وأفقدته القدرة على الكلام ..


لكنه تحت إصرار أسئلة الطفلة أجاب : 


- هذا أنا ، وذاك أخي ..


وسألت الطفلة :

- هل أخوك ميت يا أبي ؟؟؟


وبُهت لسؤالها ، ولم يعرف أن يرد عليها ، وهي استمرت بالأسئلة البريئة ، حتى أجابها :


- لا أعرف .. إن كان ميتا أو ما زال على قيد الحياة ..


الطفلة : 

- كيف لا تعرف ، أليس أخاك ؟؟ أنا أعرف أن أخي أحمد ليس ميتا ...


هو : 

- لقد تخاصمنا منذ زمن طويل وافترقنا ولم أعرف عنه شيئا منذ ذلك الوقت ..


الطفلة :


- ولماذا تخاصمتما ؟!



حاول أن يتذكَّر لماذا تخاصما ، ولم يستطع التذكر ، فاغرورقت الدُّموع في عينيه ، وأحسّ بتفاهة شخصه واستصغر قيمته كإنسان ، حتى كاد أن يشمَّ رائحة عفن نفسه الصغيرة  ... 


وأجاب طفلته  وهي تلحُّ بالأسئلة ، وكان يبتسم بمرارة :


- لا أتذكر لمَ تخاصمنا ، أتمنى أن يكون شيئا  يستحقُّ أن أفقد أخي من أجله كلّ هذا الوقت ...


الطفلة بكل براءة :

- أتمنى أن يكون أخوك على قيد الحياة يا أبي ، حتى أزوره وأناديه عمي ..


 لم يستطع أن يمنع دموعه من الانهمار ، ولم يستطع أن يمنع نفسه من الانهيار أمام صغيرته ، فبكى وأجهش بالبكاء ، وعانق ابنته الصغيرة بقوَّة حتى كاد أن يكسر عظامها ...

وكان يهمس لها  بحروف يقطَّعُها  بكاؤه :

- ستزورينه إن شاء الله ...



****

لم يكن الطريق صعبا لرؤية أخيه ، وكان يحدِّثُ نفسه وهو في طريقه :


( كيف أسدلتُ ستارة نافذتي كلّ هذا الوقت !،ومنعتُ ولوج أشعة الشمس ، وتكوَّرتُ على نفسي ، وغفوتُ كالأرنب الجبان الأحمق المغرور ، وسمحتُ للحياة  أن تسبقني ، أن تأخذ أخي مني ، أن تتركني حتى من دون ذكريات أيامنا الجميلة معا ، لربّما كانت أيقظتني....) 


صوتُ أخيه يناديه ، ينتشله من أفكاره ، ويبعد الستارة لتلج أشعة الشمس ، أشعة الأخوَّة والمحبة ،  إلى عتمة نفسه المتكوِّرةِ على ذاتها ...


تعانقا ، أغرقا قميصَّي بعضهما بالدموع ، وحاولا الإمساك بيد بعضهما علَّهما يركضان معا ليسبقا السلحفاة ..



****


وكانت الشمس على وشك الغروب ، وصوت أطفالهما يناديهما ، فيدخلا ليتشاركا عشاءً أسريًّا ، وأمسية أخوية ....


 والغريب في الأمر أنهما معا لم يتذكرا لماذا تخاصما وافترقا ، وفي قرارة كل منهما ودَّا لو كان أمرا يستحقّ ....


****



بقلم مؤيدة بنصر الله / نادية 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق