الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

مفارقة





مفارقة 








ينهمر المطر  وينهمر بغزارة ، كسهام عاشق يريد أن يحظى بحبيبته الأرض ...

خيوط مائية تتدلى من السماء ، تغرق الشوارع ، وتغرق القلوب بالشجن ....


تفوح رائحة التراب والرمل ، والرطوبة ، وتتعالى أصوات نقرات قطرات المطر ، و نقرات حذائه الثقيل على الرصيف المبلل ...


كان يخبئ ابتسامة الحنين في عينيه، ولا يصدق أنه عائد بعد طول غياب لزوجته وأطفاله الصغار ..


ذكرياتٌ تتصارع في مخيلته ،وهو يَحثُّ خطى العودة ،  ولكن ذكرى واحدة كانت تطغى على الذكريات  ، ولا يتصور إلا نفسه وهو يَجِدُّ ليحمل أكياس الرز ، والملح ، فوق أكتافه العريضة ، ويصعد بها إلى السفينة الراسية في الميناء ، ولا يشم إلا رائحة عرقه ، وعرق رفاقه الذين يحملون معه الأكياس ....


يهز رأسه ، يحاول أن يتذكر وجه زوجته الجميلة ، وأطفاله الصغار ، ويتنشق رائحة المطر علّه ينسى رائحة العرق ...



أخيرا على أعتاب الباب ، يدق مصراعي الخشب المهترىء ، ليفتح له أطفاله بكل شوق ...


يعانق الجميع ، يقبل الجميع ، يتسامر ويلهو معهم ، ثم يخلدون للنوم ....



زوجته ، باستحياء تقدم له عشاء متواضعا ، وهي تقول :


-          أنا آسفة يا عزيزي ! لا أريد أن أبدأ الشكوى أو التذمر من أولى لحظات عودتك ، ولكن ليس عندنا رز ،كنت لأطبخ لك أشهى وجبة ... ومنذ شهر وبسبب أوضاع البلد لم نستطع شراء الرز .. حتى أنه لا مال لدينا ....


تذكر أكياس الرز التي كان يحملها فوق أكتافه ، وتذكر الرز الذي كان يتسرب ويتناثر من الأكياس عندما يتمزق بعضها ، وأحيانا أكياس كاملة ترمى في البحر ...


ابتسم ، ثم بدأ يضحك ، وسط دهشة  زوجته ، التي ما لبثت  أن ابتسمت وضحكت لضحكته ....



كان يضحك من مفارقات الحياة ، كيف يُرمى الرز هناك ، وكيف يحتاجون كل حبة هنا !!!

كيف كان رئيس عملهم يبذر النقود على بنات الهوى  وعلى ثانويات الاحتياجات ، وهو هنا لا يستطيع أن يوفر المال لحلاله ولأساسيات الاحتياجات !!!



ربت على كتفها وابتسامة ساخرة في عينيه الحزينة ، وتمتم بشفتيه :


-          لا بأس عليك ، غدا يوم آخر إن شاء الله ... إن الله قادر ،عليه نتوكل وبه نستعين ، ولا شك أن حكمته منها نتعلم الكثير ...



رفعا عيونهما إلى السماء ، وأيديهما متعانقة ، يشكران رب العباد على نعمه التي أنعم بها عليهما ....





***


بقلم : مؤيدة بنصر الله / نادية  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق