الاثنين، 16 نوفمبر 2015

غَديّ سيكون أجمل "قصة قصيرة"

 
 
 
 
 
غَديّ سيكون أجمل
 
كورقة خريف يابسة صفراء تعبث بها الريح , أو ربما كحطام سفينة لا يدري على أي شاطئ سيلقي به الموج
رجفة تجتاحني , تعتصر قلبي , فيهتز معها بدني , مبعثرة , حقيقة لا أدري إن كنت خائفة أم حزينة , لكن كلي يقين أني راضية بقدري , أحاول جاهدة جمع شمل أفكاري الشعثاء و ترديد آيات القرآن التي حفظتها منذ صغري.
بالمشفى .. ممددة أنا  على سرير بارد في غرفة العمليات, صاغرة انتزع حلمي من رحمي , تلك هي تجربتي المتكررة, التي بقدر ما استُنزفت معها نفسيا و انهكت جسديا قضت علي ماديا .
سنوات من التردد على مراكز العقم و الخصوبة يزف الأطباء لنا خلالها بشرى أن لا مانع طبي لدينا من الإنجاب , ثم يسوقوا لنا من الأسف قنطار عن عجزهم في تفسير سبب تأخر الحمل  ..
ليعود و يداعب نسيم الأمل أرواحنا عندما يخبرني طبيبي أني حبلى , و بعد شهور من التحليق في سماء السعادة , يصفعني بؤس الواقع لأسقط أرضا فارغة اليدين ,إلا من الخيبة و الفجيعة .
 فجنيني مشوه , عاجز قلبه عن النبض , يرقد برحمي , ينتظر أن تحل  رحمة ربي فيخرجه كما زرعه .
و هنا تبدأ رحلة المعاناة لانتزاع صغيري الذي يتشبث بي كما تشبثت به رغم حتمية التخلص من الوضع .
 إذن هي مشيئة الله و له حكمة في خلقه, لكن لا بأس من الأخذ بالأسباب و تلمس سبل العلاج ...
كان هذا رأي الأطباء الذي بدأنا على إثره مرارا و تكرارا السعي الحثيث على درب الحلم , مسلحين فيه بالدعاء يحدونا الأمل .
الى أن جاء اليوم الذي غربت فيه شمس الحلم في وقت الظهيرة, فخيمت عتمة اليأس و البؤس على روحي.
حدث ذلك عندما القى طبيب الوراثة و الأجنة قذيفته على مسامعي, فدُكت معها حصون الأمل التي تكبدت العناء في تشيدها . 
"تأخر في الحمل يعقبه أجنة مشوهة, تلك متلازمة تتكرر بوحشية مؤخرا , لا تحزني و لا تقنطي من رحمة ربك , إنها الحروب التي قتلت و شردت و احترق معها الأخضر و اليابس , بل و حتى الأجنة برحم أمهاتهم طالهم منها نصيب ..!
هي الطفرة الجينية، غول خلقته تكنولوجيا الحروب، يتجول و يبطش بلا هدى أو تؤدة، إعصار يفتك هنا و هناك، بلا هوادة ولا يعلم مداه الا الله
أسلحة بيولوجية ، جرثومية أو نووية، كلها  مسميات  لأسلحة دمار شامل، يتخلف عنها مصادر مياه ملوثة، تربة مسممة ، هواء كبريتي يبعث على الاختناق".
الحروب ..!!؟
إذن إنها الحروب التي تبث رائحة الموت و العطب بكل أرض تحل بها .
 ألم تكتفي تلك اللعينة بحصد أرواح خيرة شباب الأوطان .!؟
 ألم يُخمد جذوتها براءة براعمنا الصغار و هم يرقدون تحت التراب .!؟
 الان تمتد كفوفها الخبيثة الى أرحامنا , في جشع تقتنص بذورنا قبل أن تتكور ثمارها الشهية فوق غصن الحياة .
لله الامر من قبل و من بعد، هو وكيلنا و حسيبنا
 
........  الساعة الان تدق معلنة الخامسة مساء ,تكاد تتلاشى ذرات الاكسجين في فضاء الغرفة تحت وطأة المعقمات الطبية النفاذة،  يتصاعد طنين قرع معدات معدنية , من بعيد يقترب الطبيب , عليه نفس الرداء الأبيض , يخفي ملامحه خلف كمامته البيضاء , مرتديا قفازاته البلاستيكية ...
 لا بأس بضع دقائق أخرى و يكف تماما عقلي المشوش عن التفكير بفعل المخدر الذي سيسري في دمي .
 
  سيكون من الأفضل لو فكرت بشيء يبث في الأمل ..أو هكذا على ما أظن..!
ربما بعض من شمس مشرقة , مروج و روابي خضراء يفوح منها عبير الياسمين  و النرجس, بأمان صغار ذات اجنحة خلف التلال تلهو ....
تراه كان واقعا أم حلما ..!!؟
 
ببطء أشعر ببرودة سائل المخدر تتدفق لجسدي عبر وريدي , قرص الإضاءة يقترب من وجهي حتى ابتلع مني مساحة الرؤية , بصوت خافت أردد ...
 
غَدي سيكون أجملّ، نعم،،،، غَدي سيكون أجملّ  
 
***************
 
نسرين مصطفى


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق