رفرفة
جناحيّ عصفور ...
أحيانا
نفتح أجفاننا لنجد أن ضباب الصبح يلفنا
حاجبا الرؤية عن دروبنا ، ونحن نجهل أن
الأمر قد
يحتاج فقط إلى زفرة رئة أو حتى
رفة جناحيّ
عصفور صغير ليقشع الضباب ...
بدت
متعبة مرهقة من روتين الأيام ومن مهامها
اليومية التي بدت لها كنفثات تنين أسطوريّ
يرهقها ويخنقها بالدُّخان ، فالبيتُ غارق
في
الفوضى بعد خروج أطفالها للمدرسة ...
الأشياء
متناثرة ... والعشوائية كأنها ضباب يواري
معالم المكان ...
من أين
تبدأ ؟
جلست على
حافة السرير وهي تقاتل بسيف
ضميرها رغبتها بالخلود بين طيات الّلحاف ...
انتظرت
حتى تنتهي المعركة ...
وكالعادة تغلَّب ضميرها ..
فقرَّرت
أن تبدأ بالأسهل فالأصعب ..
بدأت
بترتيب سريرها ، وهي تدحر آخر رغبة لها في
الارتماء بأحضانه ...
ثم توجهت
لغرف صغارها ، رتَّبت الأسرَّة ثم جمعت
الألعاب المتناثرة ،وملابس النوم المُبعثرة
..
إلى غرفة
المعيشة وجهتها التالية ...
جمعت
أكواب الحليب وأطباق الفطور لغسلها ...
كنست
المنزل ... مسحت الأرضية .. أخرجت اللحم
من الثلاجة ، وقطَّعت الخضار ...
روت
نبتتها الوحيدة اليتيمة التي تُشعرها بأنه ما
زال في الحياة اخضرار ،وألقت التحية على جارتها
اليمامة التي
لم تُعدم الوسيلة ، فبنت عشها على
حافة نافذة مطبخ الجيران المغلق ، وقاومت زحف
المدنيّة بطريقتها ..
جالت
عيناها في أنحاء المنزل لوهلة وشعرت
بالفخر ، وبأنها فازت في معركة البقاء ،
وأقشعت
الضباب ودخان التنين الأسطوري ..
فتحت
النوافذ وهي تبتسم :
-
لنرى من هو الأسطوريّ !
حان وقت
فنجان قهوة به تعدل مزاجها وتكافئ
نفسها على إنجاز مهامها في ساعتين فقط ، وربما
تمارس هواية قديمة نسيتها بين ثنيات رفوف
المطبخ ...
وضعت
الماء في الدَّلة ، وأمسكت الولاعة لتشعل
النار ...
لكن ....
أطفأت
النار ...
جرَّت
أقدامها إلى السرير ، ضبطت المنبه ،
وعانقت النوم ....
ها هم
أطفالها يعودون بخير ،يصيحون : ماما !!
يجدون كل
شيء في مكانه والغداء جاهز ...
لم
يعرفوا كم فقدت و ناضلت أمهم ليكون !!
وتبدأ
رحلة مهام جديدة ليوم لمّا ينته بعد ، وكأن
الأربع والعشرين ساعة لن تنفضَّ أبدا ،
إلا أن
المفاجأة أنَّها كانت أيّاما وأيّام مرّتْ عقود ، وآساها
أن تراهم يبتسمون
، يمارسون طفولتهم كما يجب
أن يكون ، ويصيحون " ماما " تلك الكلمة التي
تبدو كجناحيّ عصفور تحلق بها في سماء
القلب
والفكر ،رفرفاتها تقشع ضباب الهمّ والغمّ ..
فالحمد
لله دائما و أبدا ...
***
بقلم : مؤيدة بنصر الله / نادية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق