"عودا حميدا يا بُني"
ضيٌّ في بؤبؤ عينيه يرسم شعاعا صغيرا في سواد حدقته ،
فتبرق فيهما
أفكار خديجة...
حيرة وتساؤلات توشوش فكره
اليانع الغرّ الذي بدأ يرسم معالم
شخصيته وتوجهاته المبهمة فيما مضى ...
بأسى يتذكر كلام صديقه المراهق ، عندما مال ليسند ظهره على
المقعد
فبدى عليه الألم والوجع وهو يكتم تأوهةً صغيرة ،
وعندما سألوه اعترف بهدوء :
" - إنها آثار ضرب
سوط أبي على ظهري وأنا صغير ...
فوالدي اعتاد ضربي بالسوط عندما أخطأ ، وما تزال الآثار
محفورة في ظهري
وتؤلم عندما أستند عليها " ...
بذعر استهجن الشاب الغرير كلام صديقه ، ويكاد يتقطع منه
الوتين وهو يفكر كيف أنَّ الألم
في جسد طفل صغير حفر ندبا في
جلده الغضِّ صعبةَ الزوال حتى بمرور الأيّام ، إلا أنّ ما آثار
دهشته ورعبه أكثر أنّ صديقه
تابع يبرّر :
" – أبي كان يُربيني جيدا ، وانظر ما صنع مني ، لقد صنع
رجلا
..
وسأعاقب أبنائي بنفس الطريقة أيضا ، لأصنع منهم رجالا "
ويضطرب التفكير أكثر وتتداخل دوائر التساؤلات أكثر حتى تُبْهَمَ
الرؤية ، عندما يقارن كلام هذا الصديق بكلام رفيق آخر يضربه
والده بعنف عند كلّ
هفوة ، حتى أصبح مكسور الذات غير سويّ
السّلوك ، ويتوَّعد وهو يقول :
" - لا يحقُّ له ضربي
! لقد أصبحت شابا ! أريد أن أتحرّر من سطوته .."
تذكر كيف حكى له والده
الحكايا عن معاملة والديه القاسية له
لكنه
ناضل وتعب ليكون ذلك الإنسان العظيم ، ثم تذكر كلام أمّه
أنّه عندما يكون الأهل
قساة وظالمين فإما أن يحاول الأبناء أن
يكونوا خلافهم ويثبتوا لهم أنهم ناجحون ، ويكدحون
بمعنى
الكلمة ليكونوا ما أرادوا ، أو يصبح الأبناء نسخة عن آبائهم
حتى في نهج
تعاملهم مع أبنائهم لاحقا ....
هو يعرف أن لا أحد يختار
والديه ، كما لا أحد يختار أبناءه ،
لكنه
تأكَّد أنَّ الله ترك لنا حرية الاختيار في كيفية معاملتنا لأبنائنا
وحتى لآبائنا
وفي اختيار أن نكون أو لا نكون ...
بتنهيدةٍ صغيرة حمد الله وشكره لأنه منحه هذين الوالدين ، ثمَّ
هرع يقبل رأسيهما كأنه لأوَّل
مرّة يراهما بعد أن كان مسافرا في
رحلة مابين الطفولة والشباب استغرقته وقتا
للعودة ...
يهمس الوالدان
بامتنان : عودا حميدا يا بُنيّ !
****
بقلم : مؤيدة بنصر الله / نادية