أشياء ماتت بداخلي
ليلة واحدة ,, إن كنت مكانك لتزوجته ولو لليلة
واحدة ..!
عبارة بشغف و حماس قالتها لي صديقتي المقربة ذات يوم , لن أنسى تلك العبارة ما حييت
لا أدري ,,
أو ربما أنساهها ,, حقا لا أدري
فكثيرة هي الأشياء التي تبددت و لم تزل تتبدد داخلي
تتلاشى بمنتهى البساطة و كأنها ما كانت يوما
من الذي قال أن الأشياء الجميلة قد تتأخر
لكنها حتما ستأتي ..!؟
لا أعلم ,,
لكني
أعلم جيدا أن كل أشيائي الجميلة مضت تباعا الواحدة تلو الأخرى، و بلا رجعة و إن
كنت ما زلت صابرة مترقبة عودتها إلا أنه يبدو لي أن حتى الصبر مل و لاذ مني بالفرار
..!!
ربما كانت لي مفاجأة لكنها ما كانت صدمة، عندما التقيت بها صباح اليوم,,
هناك
,, بسطح البناية
بينما صعدت أنا لأصلح وصلة الهاتف التي قُطعت بسبب سوء الأحوال الجوية ,
كانت هي سعادتها غامرة و بنشاط مثير للريبة تشرف على بعض العمال أثناء ترميم أبواب
و نوافذ تلك الشقة المهجورة بأعلى البناية .
هي
هنادي حارسة العقار التي نزحت مع زوجها من الريف منذ أكثر من عشرين عاما.
و بعد أن توفى زوجها منذ عشر سنوات، تولت هي كل مهام حراسة العقار، خمسينية العمر،
سمراء بلون طين صعيد مصر، ذات عيون عسلية ضيقة و كأنها شُقت في حجر، تنساب ثرثرتها
التي لا يُفهم أغلبها مع بعض اللعاب المتناثر من بين شفتين غليظتين داكنتين، لها
صوت رنان مصحوبا بلكنة ريفية أصيلة منفرة .
لها جسد نحيل يفتقر إلى أبسط مؤشرات الانوثة
داخل جلبابها الأسود اللون الذي تختلط فيه رائحة العرق مع التراب ,, بالقدر الذي
يجبرك على ترك مسافة لا تقل عن مترين بينك و بينه .
بلهجة حادة وجهت لها سؤالي : ما هذه الجلبة و
ماذا تفعلون هنا ؟
بتردد و خبث ردت هنادي : انها أوامر أصحاب البناية
يا هانم , يبدو أنهم وجدوا مستأجرا لتلك الشقة, فقد طلبوا مني الاشراف على ترميمها.
غريبة,, نعلم جميعا أن تلك الشقة وضعها
القانوني غير سليم وهي محور مشاكل لعدة أطراف و منذ سنوات – قلتها بتهكم و انصرفت
للبحث عن وصلة هاتفي المقطوعة –
نعم لكنهم وعلى ما يبدو توصلوا أخيرا لحل –
كان هذا هو ردها الذي تجاهلته لعدم تصديقه - فقد فاحت من كلماتها تلك رائحة الكذب
و التوتر.
بسرعة انتهيت من مهمتي و عدت لشقتي ليعاودني و
من جديد الشرود و التفكير في أمره , فقد كان حديثه ليلة الأمس يحمل نبرة جديدة
و غريبة ..!
فربما لم تكن فكرة زواجه من زوجة ثانية بالجديدة
أو بالمفزعة , فمنذ مدة و نحن نبحث عن
فتاة تتقبل وضع الزوجة الثانية و تعوضه عن عجزي في القيام بواجباتي الزوجية
بالشكل الذي يرضيه.
لكنه و خلال
حديثه بالأمس أشار بمنتهى الفخر
الى كونه تعرف على من تقبل بالقيام بهذا الدور , بل و أيضا هي غير متطلبة و في
مقابل الزواج منه ,,هي على أتم الاستعداد للتنازل عن كافة حقوقها المادية و
المعنوية ..!!!
ترى من تلك التي تقبل هكذا وضع , و على أي
مستوى اجتماعي هي..!!؟
و هل حقا هي على استعداد للقبول به كزوج لمدة
ساعة أثناء النهار هي وقت ارضاءه جنسيا دون
التزام منه بأي مقابل ..!!؟
لا أدري ,,, لعله كذلك
فكم استنزفني بنزواته و رغباته عبر سنوات
زواجنا حتى انهكت جسديا و فكريا .
لا اتذكر بالتحديد متى فقدت علاقتنا مشاعر
الغيرة أو كيف تراكم بيننا جليد اللامبالاة
حتى تقطعت كل أواصر الحب .
لكني اتذكر جيدا ذاك الدرس القاس الذي لقنني
أياه عند زواجه من تلك الأجنبية , فمازالت مرارة التجربة تسكن حلقي كلما راودتني
الذكرى .
اتذكر كيف همت بالطرقات افتش عن وجهه بوجوه
المارة علني اراها معه فألتمس له العذر عن خيانة عشرتي و خذلان ودي .
اتذكر قسوة الصراع الذي دار بين عقلي الذي
تمنى استيعاب الموقف و بين نار غيرة قلبي التي أبَتْ الرضوخ و
الانصياع للوضع الذي ما ترك مني سوى محض حطام.
اتذكر تعنت اهلي و تهديداتهم برفض احتوائي إن
يوم حملت لقب مطلقة _ تضيق الحظيرة بالنعجة الغريبة – هكذا قال أخي عندما لجأت إليه
,,, صدق ,, فمن ذا الذي يستطيع أن يضيف إلى أعباء حياته عبء أخته المطلقة و أبنائها
في تلك الأيام الصعبة ..!!؟
ربما لم تكن تلك التجربة له سوى محض نزوة ما
استمرت لغير بضع شهور ,,,, لكن أثار جراحها ادمت روحي أنا لسنوات ..!
لكن و هل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها ..!!؟
كلا البتة ,, و ها أنا ذا اليوم في انتظار
نزوته الجديدة بكل ثبات ,, أو هكذا على ما يبدو .!
امارس حياتي بكل حيوية و إيجابية، و حالا
سأجري مكالمة هاتفية مع جارتي كي نتسلى قليلا و نتجاذب أطراف الحديث كعادتنا .
آه ,,, تبا ,, , يا لكِ من وصلة هاتف بائسة ,
مجددا مفصولة ..!!؟
يبدو أنه حتى سلك الهاتف إن قُطع مرة لا يعود
أبدا كسابق عهده .
الان
اصعد لإصلاحه لكن تلك المرة سأحمل معي
شريطا لاصقا قويا حتى اتفادى انقطاعه مرة أخرى.
الدرج هادئ – يبدو لي أن عمال الترميم قد رحلوا
– هكذا أفضل .
فوق سطح البناية ,, لم تكن لي بالمفاجأة و
لكنها كانت صدمة..!
هو و هنادي ..!!؟
هنادي ..!!؟
إلى أي حضيض يمكن أن تهوي بالمرء شهواته و
نزواته ..!!؟
و ما عواقب نزوة كهنادي على أولادنا و وضعنا
الاجتماعي ..!!؟
و ترى كم من الاشياء عليها أن تموت بداخلي
حتى اواصل حياتي معك ..!!؟
بقلمي / نسرين مصطفى