﴿
أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾
في العادة عندما يروق لي رواية اقضي عليها أو تقضي علي في ليلتها مهما كان حجمها، لكن هنا
كان الأمر مختلفا، لم تتحمل روحي تلك الجرعة الضخمة من القبح البشري فتناوبت علي
الرواية بين عزوف عنها نتج عن اجهاد روحي معنوي بلغ حد الاكتئاب و القيء و بين
اقبال واهن على مضض للوقوف على سير أحداث تابعتها .
"عاجلا أو اجلا الزهايمر مصير سكان الأرض",,
كانت تلك مقولة لعالم نال نوبل قبل سنوات و تذكرتها هنا كثيرا
قرأت حصيلة من الكتب,,, منها ما ظل حاضرا بالذاكرة و منها
ما اندثر حتى أني تندرت مؤخرا مع صديقتي قائلة: يحدث أن تقع بين يدي رواية ثم اقرأها
و استمتع بها ،فاحدث صخبا في محيطي مرددة بعض جمل يذكرني أحدهم أنها نفسها التي
قلتها بعد قراءتي الأولى لنفس الرواية قبل أعوام,,, حقيقة لا ادري هل هذا المصير
الذي تؤول اليه قراءاتي نقمة ابتليت بها أم أنه نعمة أن تختفي التجربة من الذاكرة
تماما بالدرجة التي اصبح معها كمن يختبر الشيء لأول مرة و يعاود الاستمتاع به و من
جديد بنفس الحماس و نفس اللهفة,,,, لا بأس ها أنا ارجو الله بنفسي أن يلحق "ترمي
بشرر" نفس المصير بأسرع وقت ممكن
لطالما كنت و لا زلت مؤمنة أن القراءة لا تتقيد بعمر و
أن حق الاطلاع مكفول للجميع بغض النظر عن العمر أو المحتوى
الرواية,,,," ترمي بشرر" لكاتبها السعودي
" عبده خال" هي الرواية التي
أحدثت جدلا واسعا في المجتمع بين مؤيد و معارض، و لأني مؤمنة بالحريات لأبعد مدى و على
الرغم من حصولها على جائزة من أهم جوائز الأدب إلا أني شعرت للحظة أنها ما نالت
قدرها بل ظلمت و واجب الذود عنها قد وقع علي.
وجب التنويه أنه إن كنت لست مؤهلة للنقد الأدبي إلا أني
قارئة نهمة ، متذوقة ممتازة اجيد بحرفية التمييز بين النصوص، المتواضع منها و الباذخ،
كما أني لست مهوسة بالحكم على الأشخاص عموما
و الكتاب بشكل خاص ،لست معنية بتصنيفهم أو تقليد احدهم نوط التميز أو رجم اخر
بالسباب، فأنا عاجزة حتى عن تقييم ذاتي
التي تسكن خلجاتي لذا لا يعنيني هنا إن كان "عبده خال" قديسا أو ابليسا،
لكن ما يعنيني هنا هو نص أدبي قرأته مؤخرا و ترك بصمة غائرة بوجداني بالشكل الذي
ولد صراعا داخليا حرضني بدوره على التفكير و من ثم الكتابة.
تعد رواية ترمي بشرر جرعة زائدة من القبح تثير في النفس
السوية الاشمئزاز ليس من شيء سوى سير الاحداث و تسلسلها و التي لا يجسر احدهم على
انكار مثولها على أرض الواقع، فيها تعمد الكاتب المكاشفة بشفافية سوداوية قاتمة
لما دار و يدور خلال فترة زمنية وثقها بالتواريخ و الأحداث .
يجب أن أسجل اعجابي و استعجابي من نشر رواية تحمل هذا
الزخم و الجراءة لكاتب سعودي.
اسم الرواية و الذي كان محل جدلا واسعا,, في اعتقادي جاء
موفقا جدا و مناسبا لمضمون الأحداث و الفكرة، و كونه جزء من أية قرآنية لا يجرمه أو
يحرمه...
صورة الغلاف لم تكن معبرة و تمنيت صورة اكثر ابهارا، لكن
بالطبع كل الاحترام و التقدير مكفولين لخيار الكاتب.
قرأت النسخة الالكترونية للرواية و التي تجاوزت الأربعمائة
صفحة بقليل ،بطل الرواية هو الراوي نفسه الذي ساق الكاتب الأحداث على لسانه، قسمت
الرواية لثلاث أقسام لم أجد لهم داعي لأن الراوي ظل يترنح بين مراحل حياته كلها
خلال مجمل الرواية عموما، و لم تكن الأقسام فيصلية.
تخلل مجرى الأحداث وقفات بين الراوي و نفسه ساق لنا
الكاتب من خلالها حكم حياتية و خواطر إنسانية في منتهى القيمة و السمو
في نهاية الرواية ساق لنا الكاتب واقعة و بعض المقتطفات
ليؤكد أن ما دار بالرواية كان واقعا لا خيال,,,, لم يكن " عبده خال " في
حاجة إلى ذلك التأكيد فصفحات الرواية تنزف دما و الحروف عليها تئن .
كغيرها عانت
الرواية من حمى التطويل و المط حتى وددت لو اراسل الكاتب اذكره أن عصر المأمون ولى
و لن ينال كوزن كتابه ذهبا.
جاء السرد متقن و على الرغم من اتباع الكاتب لمنهج الرقع
إلا أنها مع نهاية الرواية كانت قد صففت الرقع بمكانها المناسب لتضح الرؤية و تظهر
المشاهد متراصة بإحكام جلية متسقة بلا أي خلل.
لغة الرواية
كانت ممتعة و قوية و تنم عن كاتب مثقف متمكن ،ترابط الأحداث مدهش على الرغم من
تشعبها و تفرعها في توزيع بارع بين الشخصيات، عرض صورا غاية في الصعوبة و رسمها
بالكلمات بمنتهى الحرفية و السلاسة و الروعة، صور بإتقان مشاهد فجة بذيئة بلغة
عربية حصيفة راقية..!
إن خلصنا إلى وضع سير الأحداث و الشخصيات في صورة رموز يمكننا
عندها أن نحمل الرواية إسقاطات و تأويلات
عدة كلها تدور في اطار علاقة القوي و الضعيف ، الحاكم و المحكوم
تحاك الرواية بين طبقتين مجتمعيتين و يدور صراع محتدم
بين كل الأطراف من كلا الطبقتين ليصل القمع في أقصى صوره متجسدا في سيطرة ذوي
السلطة و المال وتحكمهم في مصائر و سلوكيات شخصيات الرواية و على رأسهم بطلنا ,,,
بل وصل الأمر حد ترويض الرغبات و تصريفها في دروب بعينها..!
ساهمت الرواية بأحداثها في زعزعة فكرة متأصلة لدي و هي
فكرة أن اغتصاب الرجل مستحيل على أرض الواقع -بالتأكيد لا أعني في صورة اعتداء- ليظل
السؤال قائما في فكري هل يمكن أن يمارس الرجل الجنس بدون رغبة.!؟
لست بصدد سرد الأحداث و المضمون لكن كلمحة بسيطة هي قصة
طارق الفقير و اهله و جيرانه، طارق ,,,قد باع
بثمن بخس روحه للشيطان الذي تجسد في صورة سيد القصر، توثق الرواية بعض المتغيرات
التي طرأت على المجتمع السعودي على المستوى الاقتصادي بشفافية غير معهودة ، ثم تتوالى
الأحداث حتى نصل إلى مصائر و حصيدة أفعال شخصيات الرواية.
ظهرت للكاتب رغبة حثيثة و محاولات واهنة في تبرير سلوك
الشخصيات و تعليق آثامهم على مشجب الظروف و القدر لكن تلك المحاولات لم تجد في
روحي صدى لألتمس العذر أو أتفهم الوضع، فعلى مدار الرواية و من خلال أحداث و
اعترافات و تأنيبات للضمير لم أشعر و لو بهسيس تعاطف مع بطل الرواية ,,, و ربما لم
يرد الكاتب أن أصل إلى نقطة التعاطف مع البطل بدليل أنه ساق لنا رمز النقاء و
الصلاح في صورة أخو البطل و الذي شاركه نفس الظروف لكن لم يشاركه الدرب و المصير.
بعد أربعمائة صفحة من الثرثرة قرر " عبده خال"
أن ينطق بتمت التي استنشقت معها و أخيرا الصعداء، قال تمت و في الواقع هي لم تتم،
قال تمت بعد أن كنست معه ازقة جدة القديمة و شاهدت بحرفه أبشع الممارسات و أكثرها
وحشية حتى توعك جسدي من هول ما رأى.
عبرت معه عبر
بوابات القصر المنيف و تجولت بين المدعوين و شاهدتهم عن قرب، الفت وجوههم الحسان
المزيفة و تخللت رائحتهم رئتي، وقفت على لذة بطلنا عن قرب حتى تدفق مجرى دمه مع كل
نشوى اختبرها ،كما شاركته البؤس و اليأس عند كل تقريع مارسته نفسه اللومة.
لكن ألم يتم طارق .!؟
أم أن عبده خال هو من اكتفى و فجأة من سيرة طارق.!؟
بلا مبرر و بعد ثرثرات لهثت خلالها عبر صفحات و صفحات
توقف الكاتب عن الثرثرة دون أن يضع تمت في مقامها الصحيح فلم تبلغ تمت نصابها بعد
ترى هل مل الكاتب و اكتفى أم أنه تراءت له فكرة جديدة
قرر أن يصرف جهده فيها.!؟
لا أدري فقط تركت الرواية بعد تشعباتها في خاتمة لم ترضي
شغفي ,,, وددت لو أرى عدالة السماء تطبق في الشخصيات الماجنة جمعاء لكن سقط من قلم
" عبده خال" نهاية أهم الشخصيات ، ربما لم تضع الحياة خاتمتهم بعد و
أراد كاتبنا أن يحافظ على مصداقية و واقعية روايته.!؟
لا بأس,,,,,,,,,,,, فأجمل ما في الأمر أن " ترمي
بشرر" قد تمت..!!!
نسرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق