في ذاتِ خريف
تهدلُ... تنوح ... تهمس
أو تصرخ
لا فرق ...
ففي كل مرة تسمع فيها
هديل هذه اليمامة تحتار في تفسير نغمات
أوتارها ...
أتنوح ؟!!!
تدندن ؟!!!
لاتدري حقا تلك الزيزفونة
العتيقة ، الضاربة جذورها كشرايين القلب في جسد التراب ، حتى أضحى جزء منها ....
يمامات كثيرة بنت أعشاشها
في تفرعاتها بين وريقاتها وعلى أفنانها
المُثقلة ، لكن لتلك اليمامة شأن
خاص ...
صوتها فيه شجن كنغمة
نايٍّ مبحوح ، وهناك شيء غريب في مظهرها ، حاولت شجرة الزيزفون اكتشافه ، فبدا
جليا لها ريشات خضراء زيتونية تطوِّق جيد اليمامة كعقد ثمين حباه الخالق لها ...
وعيونها ناعسة ، ربما من أحمال الزمن الذي لا يُثقل
الكاهل فحسب ، بل حتى العيون ، فتبدو ناعسة متعبة ، مرهقة ...
تجرَّأت شجرة الزيزفون
ذاك الخريف وهي تراقب نظرات اليمامة القلقة وتصغي لهديلها الذي بدا لها نغمات
نواحٍ خائف، وهمست لها :
_ ما الذي يحزنك يا
صديقتي ؟!
انتاب اليمامة ذعر لوهلة ،
ثم اطمأنت لهمس الزيزفونة ، فقالت :
-
حزينة أن حلّ
الخريف .... ستنفضين أوراقك النحاسية عما
قريب ، وسينكشف عشي ، ويبرد صغاري ... أين
سأرحل !! وقد بتِّ موطني منذ الربيع ...
-
لا تخافي !
سأظللك بأفرعي فهي كما ترين وفيرة ...
لم تهاجر
اليمامة حاولت تدفئة صغارها بريشاتها، وتكوَّرت على نفسها لتدفئ فراخها بحرارة الدّم
الذي يجري في شراينها وأوردتها ضاخَّا الحياة والنبض في قلوبهم ، والزيزفونة مالت
بأفرعها العارية ثم تشابكت لتحميها من سهام رياح الشمال القارصة فتحتكُّ في كل مرة
تضربها الريح لتصدر صوتا أشبه بطقطقة حطب النيران ، يوحي لليمامة بالدفء
والطمأنينة ...
ومنذ ذاك
الخريف كان عهد جميل فريد بين اليمامة والزيزفونة ، فيه تعاهدتا أن تكافحان
معا من أجل الحياة ....
****
" مهداة
إلى يمامتي نسرين "
بقلم مؤيدة بنصر الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق