اعتياد قيد
تدق الساعة دقاتها المتتالية، لتعزف
سيمفونيتها الرتيبة المعتادة , التي تعلن للكون بمنتهى الفجاجة فاجعة مرور الزمن
او ربما لتنذر العمر بمقدار الدقائق المتبقية منه القادمة و التي سرعان ما ستلحق
بركب اختها الراحلة
بينما هو على نفس الوتيرة , يسير في مخطط
الحياة البياني موازيا لمحور الزمن , حاله كما هو لم يتغير و ربما لن تطاله رياح
التغيير قط , ملقى بجسده المتثاقل الموبوء بالهموم على بقايا اريكته المهترئة
من على تلك المنضدة الخشبية المتهالكة غير
المتزنة تناول سجائره البخسة الثمن و علبة الثقاب من بين اكوام الكتب التي أخفت
الاتربة معالمها
تحسس
منفضة السجائر التي لا يذكر متى كانت اخر مرة افرغ فيها محتواها ,, ولسان حاله
يقول : لا بأس فربما تتسع لسيجارة أخرى
جال ببصره بين اركان غرفته المظلمة الا من
شرارة تضيء كلما سحب نفسا بعمق من سيجاره و مجه في هوادة, تأمل الجدران المتداعية الخالية الا من تلك
المسامير الصدئة التي تخترقها , فهي بمثابة مشجب لثيابه الرثة البالية
ضحك عندما تذكر كم من المرات اخبره احدهم عن
خرق في قميصه او بنطاله من جراء تلك المسامير الرعناء , و كيف انه تظاهر بالاندهاش
و كأنها الوهلة الأولى لرؤية الخرق ,على الرغم من كونه و الخرق أصدقاء مرحلة
حياتية صعبة
سرعان ما تلاشى اخر اثر للابتسامة عن محياه و
امتعض عندما لاحت امام مخيلته هيئته السابقة , ارتعدت فرائصه , فكم كان وضيء مشرقا
آنذاك , يحمل بين جوانحه من العزيمة و الاحلام ما يهدم جبالا و يقيم مدائنا
ثم ما لبث أن التقط شهيقا عميقا مصحوبا
بتنهيدة ثم زفر انينه و ربت بيده المنهكة على صدره مواس نفسه بأنه على الأقل لم
يكن المسؤول عن ما آلت اليه الأوضاع و انه
ما تخاذلت رجلاه قط عن السير على درب تحقيق الاحلام
أيام كحسو الطير مضت ومضى معها قطار العمر
بلا استقرار او مسحة امان ,الان و بعد عشر سنوات من انهاء دراسته للقانون ,فهو لا
يعدو كونه موظفا بسيطا وحيدا خالي الوفاض يعيش بمشقة على الكفاف من الرزق
كم تمنى لو انه تزوج و انجب صبيا قويا يربيه
على المبادئ و القيم القويمة , او ربما فتاة جميلة ينهل من معين حنانها , لكن في
واقعه المرير لم تبسط له الآقدرا يدها , بل بلغت من القسوة أن اطفأت نور الحياة في
عينيه ,شيعت ذكرياته الجميلة الى واد سحيق , بل انها و وأدت مستقبله في مهده
كل ذنبه كان بضعا من أحلام غير مشروعة – أو
هكذا رأوها على ما يبدوا من احالوا عزيمته الى هزيمة –
ففي وطن منهوب لا يحق لأمثاله حتى مجرد الحلم
بحياة ادمية
في وطن مسفوك لا يتجاسر امثاله على أن يداعب
خيالهم طيف الحرية
في وطن مطحون لا يمتلك الفرد سوى أن يسير
بدرب الحياة مغلول العنق مكبلا حاملا بين يديه اصفاده
في وطننا العربي على كل مواطن اعتياد القيد..!!!
*******************
نسرين مصطفى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق