الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

كتاب الوجوه

 
 
قالوا قديما أن الدنيا ضيقة و أن مسير الحي يتلاقى ،،
 و الجديد أن "كتاب الوجوه" أو المدعو "بالفيس بوك" لا يزيد عن غرفتين و صالة ,,!
أيقنت ذلك عندما عرضت علي صورة ذاك الصبي الوسيم، حينها عجزت عن ردع فضولي ، تسللت خلسة إلى حسابه دون سابق انذار أو حتى طرقة باب,,!
و هناك التقطت عيني عدة أسماء لأشخاص جمعتنا معرفة عابرة خلال سنوات الجامعة
طوال سنوات الجامعة  بين المحاضرات، و تحديدا بينما ينشغل الآخرين بقضاء دقائق الفراغ، كان يحلو لي ممارسة رياضة تأمل السلوكيات و العلاقات عن بعد دون تدخل مباشر..!
فالعيون يمكنها أن ترى الدواخل بوضوح و شفافية حتى و إن لم تتلاقى ...و في خضم الشرود تغدو دواخلنا فريسة سهلة المنال، أو كتابا مفتوحا لهواة التأمل عن بعد.

 
 نعم عرفته,,,هذا هو المدخن الشره، صالح,,, ذو الشعبية المدلل، فقد كانت تعمل والدته كموظفة في إحدى إدارات الكلية، عرفته,, و إن تدلى بلا مبالاة بطنه خارج سرواله ، نعم ...تلاشى شعره تماما ليترك رأسه صلعاء ، لكن وجهه لم يزل محبب كما الدمى المحشوة، و له نفس الضحكة البشوشة التي  تتعرى معها الثنايا الأرنبية وقد صبغها التبغ بالأصفر، من حسابه وبسهولة ايقنت أنه يدير مكتبه الخاص، و بدى عليه بشكل لم يدع  مجال للشك علامات البؤس و الدخل المنخفض، كما وشى حسابه أيضا بصغار هم ثمرة زواج بدا لي حديث العهد مفتقر للوفاق
ياااااااه إنه هو بعينه ,,,, الزمن..!

 
وهذا الوجيه المجامل هو عماد الحضري، بدا من الصور كم هو في قمة السعادة و الرضى، و لمحت في طرف عينه رهاب الحسد، يبدو أن سنين عمره التي قضاها في دول الخليج هي من أورثته هذا الداء العضال ,,,له الله..!!
ربما تخلى عن بعض نحافته، لكن أنفه الحاد مازال محافظا على المرتبة الأولى في جذب الانتباه، كما انحسر شعره الاملس عن رأسه قليلا ,,, يعج حسابه باحتفالات لذكرى ميلاده و بناته و زوجته الجميلة
أطلت التجول في حسابه أبحث عن صورة تجمعه بجيتاره أو عن معلومة تشير إلى أي اهتمام ولو من بعيد بالموسيقى,,, لكن ذهب بحثي سدى .! ,, أمر غريب... فذاك العماد و الجيتار كانا بمثابة توءمان لصيقان,,
 ماذا حدث,,!؟ كيف و متى افترقا,,!؟
 الحقيقة أن "كتاب الوجوه" وقف عاجزا عن الإجابة و لم يرضي فضولي ..!


 
و هذا المتسكع هو رجب، عفوي حد البوهيمية، الحقيقة أن محاولاته الحثيثة اليوم كي يبدو أنيقا لم تنطلي علي، فهيئته الرثة لم تزل محفورة بمخيلتي، و أعتقد أنه من المستحيل طمسها بصوره المفتعلة تلك ..!
أره كما لو أنه يتجول  أمامي الأن في حرم الجامعة، عنجهية  بلا باعث، أمرد، لم يتكبد عناء تمشيط شعره، كعادته... كعب ذاك الحذاء البالي و تقاعس عن انتعاله كما يجب ،بلا جورب، ارتدى قميصه المشجر بلا فانيلا متجاهلا أول أزراره ليكشف عن صدر أجرد منفر، ليترك لنا بتلك الهيئة المهلهلة حرية تخيل ما يخفي، فأكاد أجزم أنه لو نزع عنه سرواله لن نجد شورت يستر عورته..!
لطالما تساءلت عن سر عشق مها له ,,
مها,,, آآآآآآآه يا مها... تالله إن عقبك لأشهى من خدود العذارى...
مها.. تلك الفاتنة الرقيقة ، ترى كيف وقعت في غرام هذا الرجب المقزز، ءإلى هذا الحد عيون الحب عمياء ,,!؟
أم انها رأت فيه ما لم نراه نحن.!؟
لا أدري لكن كثير ما تضاربت مشاعري بين رغبة في تتويج حبهما بالزواج فقط كي تُسر مها و بين رجاء أن يرزقها الله بمن هو خير منه
اليوم قرأت على حسابه أنه متزوج من السيدة مها وعلى الفور ركضت بين جنبات حسابه افتش  عن مها ، بينما يعتمل في صدري ضدان، فرح و ضيق ، و ما ان وقعت عيني على مها، حتى سكن قلبي و إن  لامسه شائبة ريبة,,, يا  للعجب فمها ليست مها..!
ترى ما مصير مهتي..!؟
و هل  مهته محض صدفة..!؟
لا بأس ,,,, لعله خير


 
أمضيت من الوقت ساعة، مرت كما لحظة ليس أكثر، اتسكع خلالها بين صور و تعليقات و أحاديث لأشخاص انقضت معرفتي بهم منذ عقدين، أمضيت ساعة من البسمة البلهاء...
بعد  تلك الساعة تصفحت أيضا البوم صور جمعتني بزوجي وصغاري عبر رحلة العمر
اكتشفت أني أيضا لست التي كانت لا شكلا ولا موضوعا، وحبيبي ليس من عرفته قبل واحد و عشرون عاما ، حتى صغاري يوما بعد يوم تتخذ علاقتنا شكلا مختلفا
اوووف كم هو قاسي الزمن بمروره، تتغير الاشكال و الطبائع و المضامين، يتبدل التاريخ و الجغرافيا ،تختفي خرائط و تظهر أخرى
حتى أنه يحدث أن يميد بك اليقين، فلا تعرف من تعرفهم يقين المعرفة، و أزعم أنهم أيضا ربما غدو لا يعرفون أنفسهم التي كانت..!!!
نسرين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق