الأحد، 22 نوفمبر 2015

خشخشة تساؤلات



خشخشة ُتساؤلات





تسبح الكواكبُ حول الشمس  بلا بللٍ  في  بحرٍ بلا ماء في فضاء الكون بدقةٍ متناهية  راسمةً مدارات اهليليجية ، معطيةً  الفصول والأيام والزمن  ، فنتفكَّر بعظمة الخالقِ حين نراقبها ...

و  كما تتجلَّى عظمته في  أجرامَ ضخمة وكون شاسع فإنها  تكمن في أشياء متناهية في الصّغر حبانا بها خالقنا  ، تجعلنا نتسمَّرُ في المكان من عظمة قدرته التي وضعها في أبسط وأصغر الأشياء أو الكائنات ،  كذرةٍ لا تُرى تدور حول نواتها  الكتروناتٌ ذات طاقة هائلة  مُحاكِيةً  بذات الوقت فكرة الفضاء ودوران الكواكب حول الشمس ، أو في عيونٌ صغيرة يترقرقُ داخلها كموجِ البحر عالمٌ آخر ، تتكسَّر موجاته على صخور أجفاننا  مُبعثِرَةً فُتَاتَ مشاعرنا تارةً ، وتارةً جارفةً إياها  إلى الأعماق  ....

 جاءني يتلعثمُ  بالكلمات المتسائلة التي تتسابق من دماغه إلى شفتيه الورديتين،  فتتكسّرُ أمام اتساع الفكرة   ، وتبرقُ عيناه البريئتان  ثمَّ تتسع حدقته الطفولية  وهو يقول مختصرا تساؤلاته :


-          ماما !!  لماذا أجمل شيء في الناس عيونهم !!



فاجأني سؤاله الذكي وحاولت أن أفكر بإجابة تتناسب مع عمره ذي الخمس سنوات ...

فقلت له :

-          لأن الله خلق لنا العيون كالنافذة شفافة ، نرى من خلالها مشاعر الشخص إن كان حزينا أو فرحا ، طيبا أو شريرا ...


اكتفى برمشة عينٍ وبقول :


-          إممممممم  فهمتْ ...



لا أدري إن كانت إجابتي لصغيري كافية له ، أو حتى لي ...


لا أدري إن كانت العيون فعلا أجمل ما في البشر !   وإن كانت نافذة للروح ومكنونات النفس البشرية !


فالبعض يُسْدِل ستارة على نافذة عيونه ، ليترك التكهنات لنا بمعرفة  مكنونات نفسه ...


أو يُلبِسُ عيناه قناعا وربما عدسات ملونة ليواري حقيقة لا يريد أن يعرفها أحد ...


وبعضهم ذوو عيون زاهدة ناعسة  ، لا نقرأ منها شيئا ، إلا أنها غطاء لبركانٍ سيثور في أيّ لحظة ...


فالعيون بقدر ما هي مرآة شفافة لكنها قد تعطي  انعكاسا غير حقيقي الأبعاد للذات ، ويتطلب منا أن نكون أذكياء لمقارنة هذه الأبعاد مع الحقيقة ...



قهقرتني ذكرياتي عن العيون ، لذلك اليوم  الذي لا أنساه  ، فيه اختبرت شعورا غريبا لأول مرة  ...


 حيث شاهدتُها مصادفة على أدراج الوحدة السكنية الجامعية ...


 هي فتاةٌ رأيتها مرارا وتكرارا ، كانت طيبة وناعمة  ،  بعينين خضراوتين صغيرتي الحجم ، تحميها كأمٍّ رؤوم جفونٌ ناعسةٌ انبثقت من أطرافها أهدابٌ  طويلة مفتولة ، وكانت  رفيقة  صديقتي ، إلا أننا دائما كنا نتجاذب أطراف الحديث معا ...


 في ذلك اليوم كانت تضع بعضا من الماسكارا على أهدابها وعيناها  تنبض  بالحياة  وببريق غريب أسرني، يشبه انكسار ضوء الطيف في ذرات ندى قبَّلتْ ثغور وريقاتِ زهرة ،  فانعكست قوسا من ألوان شتى ساحرة لم تماهِهِ ريشة وألوان أشهر الرسامين   ، فأشعلتْ تلك اللوحة  فيَّ شعورا غريبا  كغيرة فنان أراد السَّبق بأن تحظى ريشته بهذا الجمال  ، لدرجة أنّي تسمَّرتُ مكاني أراقب ذلك العالم الذي يتموّج في عينيها كثورةٍ رغم قيد المساحة إلا أنها ثار ت بصمتٍ جارف ....


 شعرتْ الفتاةُ بالغرابة مني ، وتفحَصَّتْنِي عيناها لمعرفة ما يجري ....


صعدتُ الدرجات الكثيرة أجرُّ أقدامي  بثقلِ ندمٍ  وسلاسلَ من قيدِ مشاعر متعاركة تملَّكَتْنِي لأوّل مرّة  ، فلُمْتُ نفسي ، وتمنيت أنها لم تلحظ تلك البلاهة والتلَّبُكَ الذي اجتاحني  ولم تعرف تفسيرها  من شُبَّاك عيوني المُشرَع  ، أو لم تسمع خشخشةَ زرد ِسلاسلِ قيد التساؤلات التي تجاذَبَتني حتى شتّتتني وبعثرتني ، عن ماهية هذا العالم المُسمَّى "عيون " ، عن تماهي ريشة الخالق في ألوان الطيف البشرية  ، حتى خلق تلك اللوحات  الفنية العظيمة ، فنقف متسمرين نراقب العظمة في كائن صغير جدا لكنه يتسع عالَما كاملا ...




فهل العيون فعلا عالم آخر بحد ذاته لكنه  يوازي عالم النفس البشرية !


 أم مجرد انعكاس لذواتنا وكهوف أعماقنا ،نضيئها تارة وتارة نتركها غارقة في الظلام  !



وهاهو طفلي الصغير يبتسم كبراعم وردة ، وهويهمسُ محاولا استيعابَ غرابةِ الفكرة :


-          ماما ! في عينيكِ أنا  !!




****






بقلم مؤيدة بنصر الله / نادية  



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق