تلدنا أمهاتنا كالاسفنجة، بخاصية سريعة و سهلة
لامتصاص العادات السلبي منها و الإيجابي، تبعا
للبيئة المحيطة، علاوة على كوننا محملين بحفنة جينات مسؤولة عن التفكير و
السلوك و ما إلى ذلك,, بمرور العمر يكتسب الفرد بعض المفاهيم و المهارات الأولية.
ينمو الفرد و مع الوقت يتمازج في روحه خليط
موروثاته مع مكتسباته من البيئة، حتى يصل إلى مرحلة ثورة الهرمونات و هي بداية
مرحلة التشبع و فيها المحرك الرئيسي لسلوك الأنسان هو هرموناته التي بطبيعة
المرحلة العمرية تكون في حالة هياج، تلك
المرحلة هي فترة المراهقة، و هنا تتسع
بيئة الأنسان و تفرض سيطرتها تقريبا كما
لم و لن تتسع في غيرها، تصل أغلب المشاعر إلى ذروتها بشكل متعنت و متسارع و متضارب
و متناقض، تتزلزل كل المفاهيم التي قد اكتسبت من ذي قبل,,
يتبع
تلك المرحلة الخطرة من حياة الأنسان، مرحلة أقرب الى الهدوء، فيها تستقر الهرمونات
نوعا ما، و تشرع المبادئ و الرؤى الخاصة بأخذ موقعها، عندها تتضح طبيعة العلاقات المحيطة
و تترتب دوائر الاهتمام .
يصل بعد ذلك الفرد الى سن نضج و وضوح و تشبع
نسبي و عندها تكون قد تشكلت الشخصية في صورتها النهائية و يصبح من الصعب إلى حد ما
على البيئة المحيطة التأثير في تفاصيلها و
أبعادها.
تبعا
لتباين الطبائع البشرية وتفاوتها فيما بين هشاشة و صلابة يصبح من الصعب أو ربما من
المستحيل التنبؤ بنوازل الدهر و مردودها في تزلزل الشخصية و قدرة الفرد على
مواجهتها و التصدي لها دون احداث خلل او
انحراف في مكنونات الشخصية.
لكن ربما يحدث أن يتغير الانسان بشكل جذري لا
شعوري ولا ارادي حتى يتلاءم مع مجتمعه و إن كان من داخله يرفض قيم المجتمع ,,,
ليجد نفسه و بعد مدة من الاحتكاك و قد اكتسب و تشبع بما كان يمقته و بشدة، يرى الآخرين و هم ماثلين فيه عندما ينظر في مرآته ..!
ربما يعتبر
هذا شكل من أشكال تكيف الانسان مع واقعه ,,و قد يلجأ العقل الباطن إلى ذلك بشكل فطري تماما لا واعي.
في بلاد
المشرق العربي، حيث مهبط الديانات السماوية,,,,
لطالما كانت مجتمعاتنا العربية ثرية،
متعددة الانتماءات و الطوائف، غنية بالثقافات و الطبائع،
على الرغم من ذلك كان يجمعها ويوحدها تقاليد واحدة وفق شرقية
عادات تقدس وتجل الالتزام بالأخلاقيات السامية.
الآن و بعد ثورة الانفتاح، و دخول عصر الانترنت، أصبح المجتمع متصدع
منشق من حيث المبادئ و القناعات، يضم فيما بينه من كل شكل و لون
تداخلت المفاهيم و تشابكت القيم، ارتفعت أنماط و هبطت أخرى، و كأنه هوس و صرعات يلهث فيها المجتمع خلف الحداثة و المواكبة.
انخرطت أغلب الطبقات في منافسات مقيتة لبلوغ مراتب وهمية، و لبلوغها تقدم من التنازلات الكثير و الفادح,,
خلاصة الأمر: بتنا نسكن عالما من المستحيل فيه التقوقع أو التزام مظلة حد الورع..!
و
هنا السؤال: كيف
يمكننا كأولياء أمور و مربين أن نوجه النشأ و نتدبر أمر الصراع و الفجوة الناشئة
بين التربية و التناقضات المجتمعية خصوصا في ظل التحولات الرهيبة التي تعرض لها
مجتمعنا العربي مؤخرا.!؟
أو ربما,, كيف يمكننا نحن كراشدين فرض هويتنا التي اكتسبناها عبر رحلة العمر-
أو التمسك بها كحد أدنى - ؛ كيف يتسنى لنا
الاحتكاك و مخالطة المجتمع بهوسه المذموم دون الانجراف معه في السياق.!؟
نسرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق