غَديّ سيكون أجمل
كورقة خريف يابسة صفراء تعبث
بها الريح , أو ربما كحطام سفينة لا يدري على أي شاطئ سيلقي به الموج
رجفة تجتاحني , تعتصر قلبي ,
فيهتز معها بدني , مبعثرة , حقيقة لا أدري إن كنت خائفة أم حزينة , لكن كلي يقين أني
راضية بقدري , أحاول جاهدة جمع شمل أفكاري الشعثاء و ترديد آيات القرآن التي
حفظتها منذ صغري.
بالمشفى .. ممددة أنا على سرير بارد في غرفة العمليات, صاغرة انتزع حلمي
من رحمي , تلك هي تجربتي المتكررة, التي بقدر ما استُنزفت معها نفسيا و انهكت
جسديا قضت علي ماديا .
سنوات من التردد على مراكز
العقم و الخصوبة يزف الأطباء لنا خلالها بشرى أن لا مانع طبي لدينا من الإنجاب ,
ثم يسوقوا لنا من الأسف قنطار عن عجزهم في تفسير سبب تأخر الحمل ..
ليعود و يداعب نسيم الأمل أرواحنا
عندما يخبرني طبيبي أني حبلى , و بعد شهور من التحليق في سماء السعادة , يصفعني
بؤس الواقع لأسقط أرضا فارغة اليدين ,إلا من الخيبة و الفجيعة .
فجنيني مشوه , عاجز قلبه عن النبض , يرقد برحمي ,
ينتظر أن تحل رحمة ربي فيخرجه كما زرعه .
و هنا تبدأ رحلة المعاناة لانتزاع
صغيري الذي يتشبث بي كما تشبثت به رغم حتمية التخلص من الوضع .
إذن هي مشيئة الله و له حكمة في خلقه, لكن لا
بأس من الأخذ بالأسباب و تلمس سبل العلاج ...
كان هذا رأي الأطباء الذي
بدأنا على إثره مرارا و تكرارا السعي الحثيث على درب الحلم , مسلحين فيه بالدعاء
يحدونا الأمل .
الى أن جاء اليوم الذي غربت
فيه شمس الحلم في وقت الظهيرة, فخيمت عتمة اليأس و البؤس على روحي.
حدث ذلك عندما القى طبيب
الوراثة و الأجنة قذيفته على مسامعي, فدُكت معها حصون الأمل التي تكبدت العناء في
تشيدها .
"تأخر في الحمل يعقبه أجنة
مشوهة, تلك متلازمة تتكرر بوحشية مؤخرا , لا تحزني و لا تقنطي من رحمة ربك , إنها
الحروب التي قتلت و شردت و احترق معها الأخضر و اليابس , بل و حتى الأجنة برحم أمهاتهم
طالهم منها نصيب ..!
هي الطفرة الجينية، غول خلقته تكنولوجيا
الحروب، يتجول و يبطش بلا هدى أو تؤدة، إعصار يفتك هنا و هناك، بلا هوادة ولا يعلم
مداه الا الله
أسلحة بيولوجية ، جرثومية أو
نووية، كلها مسميات لأسلحة دمار شامل، يتخلف عنها مصادر مياه ملوثة،
تربة مسممة ، هواء كبريتي يبعث على الاختناق".
الحروب ..!!؟
إذن إنها الحروب التي تبث
رائحة الموت و العطب بكل أرض تحل بها .
ألم تكتفي تلك اللعينة بحصد أرواح خيرة شباب الأوطان
.!؟
ألم يُخمد جذوتها براءة براعمنا الصغار و هم
يرقدون تحت التراب .!؟
الان تمتد كفوفها الخبيثة الى أرحامنا , في جشع
تقتنص بذورنا قبل أن تتكور ثمارها الشهية فوق غصن الحياة .
لله الامر من قبل و من بعد، هو
وكيلنا و حسيبنا
........ الساعة الان تدق معلنة الخامسة مساء ,تكاد
تتلاشى ذرات الاكسجين في فضاء الغرفة تحت وطأة المعقمات الطبية النفاذة، يتصاعد طنين قرع معدات معدنية , من بعيد يقترب
الطبيب , عليه نفس الرداء الأبيض , يخفي ملامحه خلف كمامته البيضاء , مرتديا
قفازاته البلاستيكية ...
لا بأس بضع دقائق أخرى و يكف تماما عقلي المشوش عن
التفكير بفعل المخدر الذي سيسري في دمي .
سيكون من الأفضل لو فكرت بشيء يبث في الأمل
..أو هكذا على ما أظن..!
ربما بعض من شمس مشرقة , مروج
و روابي خضراء يفوح منها عبير الياسمين و
النرجس, بأمان صغار ذات اجنحة خلف التلال تلهو ....
تراه كان واقعا أم حلما ..!!؟
ببطء أشعر ببرودة سائل المخدر
تتدفق لجسدي عبر وريدي , قرص الإضاءة يقترب من وجهي حتى ابتلع مني مساحة الرؤية ,
بصوت خافت أردد ...
غَدي سيكون أجملّ، نعم،،،، غَدي سيكون أجملّ
***************
نسرين مصطفى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق