مستوحاة من صورة الطفل السوري الغريق آيلان
"نائم على رمال الشاطئ "
ظلالٌ مبهمةٌ تتراءى
أمام عينيه فتمرُّ مسرعة في جنح الظلام ،
ولا يسمع إلا لهاث والديه وتكسُّرِالأعواد اليابسة التي تدوسها ا
لأقدامُ الهاربة
من أشباح الموت ، وبحدقةٍ متوسِّعة مذهولة
،
وبلسان صغير لا يعرف نطق مخزون الكلمات في مخه البريء
ذو الثلاث سنوات ، يتسائل مشدوها بصمت :
" إلى أين يا أبي
تحملني راكضا لاهثا ؟؟
لماذا ياأمي نزحف بين
الأسوار والشجر منذ أيام ، ونهرب
تتكسَّر تحتنا الأغصان ؟؟
لماذا يا أبي نركب بخوفٍ
هذا المركب المزدحم في خضم
البحار ؟؟"
لو فهموا تساؤلاته
لأجابوه :
" نهرب من وطن
أطبق عليه وحش الحرب الكاسر بكماشة
كرسيٍّ وإرهاب
نهرب من براميل الموت
التي تمطرنا كل يوم ، ونخاف أن تقع
على رؤوسنا يا صغيري
نهرب ببساطة من الموت
الذي أباحه الظالم لنفسه أنه عقاب
لكلمة خرجت من أفواهنا ..."
-
إذا أمّي أنا جائع
ونعسان ، أنهكني الهرب وهذي الظلال !!
أريد أن
أستظل بتينة جدي وألعب بتلك الدمية التي
تركناها هناك !!!
-
لا بأس يا
صغيري سنصل إلى بلاد الأحلام ، سيعطوننا اللجوء وجواز سفر وجنسية ، وعندها ستنفتح
لك الدروب والآفاق ، حتى لو كانت تلك بلاد
الكفار !!
-
لكني يا أمّي
مُتعبٌ و نعسان !!
-
لا بأس يا
صغيري ، أغمض جفنيك ونام !!!
وقف بعض ركاب المركب المزدحم
فجأة ، واختل التوازن في
مركب اللجوء إلى
شبح وطن جديد ، وسقط الطفل من بين
ذراعي والده وأمه كسمكةٍ زَلِقةٍ ،
ابتلعته أمواج البحر في عقر
الظلام ...
هاهي أنوار السَّحَر تداعب رمال الشاطئ االتي تحضن
وجهه
ويديه الصغيرتين ، وأمواج البحر تربتُ على أكتافه وتدندن له
أنشودة النوم
الأبدي ...
لقد أغلق أجفانه ونام، وعلى لسانه وشفتيه تتهجئ ببطء
حروف من كلمات
مخزون شحيح ، لم يستطع إيصالها لوالديه
ولا للعالم ...
فشكرا لك أيها البحر !!
لمْ تبتلعه أعماقك المظلمة ولم تأكله أسماكك
الجائعة ، و لفظتَه
على شاطئ النور ليراه كل العالم النائم ، وكنتَ أرحم من والديه
!!
على شفتيه الصغيرتين
تيبستْ كلمات :
-
لم يا أبي
هربتَ بي من الموت إلى الموت ؟؟ أليس
الموت مصيرنا المحتوم ؟؟
العالم كالعادة شاهد
صورة الطفل الغريق مرميَّا بصمت ،
وبكى بصمت ، وتأثَّر بصمت ، وفي النهاية اتضح أن مخزون
الطفل من الكلمات في مخه
الصغير البريء ، أكبر بكثير من
مخزون كلمات العالم الصامت في المخ الماديّ الشّيطاني
الخالي
من الإنسانية ، وتُردِيه السياسة القذرة صريعا في طميِّ
النوايا الخبيثة ...
*****
بقلم مؤيدة بنصر الله / نادية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق