رمادُ ذكريات
كانت عيناها المغرورقتان بالدموع تراقبان ألسنة اللهب المشتعل يستعر بدفاترها وصورها ووريقات كتبتها ، وتراقب يديه وهي تمزق الدفاتر وتلقيها في النار ، وكان قلبها يخفق كلما كان اللهب يعلو ويهبط مع نسمات باردة تتسلل من تحت الباب الموصد ...
كان رماد الذكريات يتبلور كلما بدأت النار بالخبو ، وكانت ذراته تدور كدوامة صغيرة مع نفخات الريح التي تحاول الدخول لتعبث برماد ذكرياتها وتذروه ..
ماضيها كان هنا .. في هذه النار التي خبت ..ماضيها أضحى رمادا فضيا محترقا ...
كان رماد الذكريات يتبلور كلما بدأت النار بالخبو ، وكانت ذراته تدور كدوامة صغيرة مع نفخات الريح التي تحاول الدخول لتعبث برماد ذكرياتها وتذروه ..
ماضيها كان هنا .. في هذه النار التي خبت ..ماضيها أضحى رمادا فضيا محترقا ...
صفحاتٌ كتبتها من مشاعرها ، وحروفٌ صفَّها قلمها الصغير ذات يوم ..
نظرت إليه ، إلى عريسها الذي زُّفت له للتو ، وكان يبتسم ويقول لها :
" ماضيك احترق ، وأنا حاضرك ومستقبلك .."
تألَّمت ، لمَّتْ قبضتها ، حاولت التنفس بعمق بعد أن كتمت النار صدرها ، وكتم عريسها الوسيم على أنفاسها ، بأنانيته وتملكه ...
ويهمس وهو يحاول معانقتها :
" أحبك .. أريدك لي وحدي .. أنا وأنت واحد لا يتجزأ .."
الصمت في تلك اللحظة كان سلاحها ، وتنهَّدت وأقسمت أنها ستنتقم ذات يوم ، وستحرق قلبه كما أحرق ذكرياتها وأوراقها
....
لم يكن قد مضى شهران على زواجهما ، وكانت مذهولة من هذه الحياة الجديدة التي أقبلت عليها ، وكان هو كمن يقبض على عصفورة جميلة رقيقة بيده ، من خوفه وحبه لها يكاد يخنقها ، فما كان منه إلا أن حبسها بقفص ذهبي ، وأسدل كل الستائر وأغلق كل النوافذ ، وأوصد الباب وجلس ليس له إلا مراقبة عصفورة مكسورة الفؤاد ، مخنوقة الأنفاس ..
في ذلك اليوم كان قد ذهب عريسها إلى عمله ، وكان المطر قد بدأ ينهمر طلّا جميلا كعادته في كل حدث مهم في حياتها..
قامت كعنقاء كسيرة من تحت الرماد ، وقد حانت ساعة الانتقام ، وارتدت ثيابها وخرجت إلى أقرب صيدلية ، واشترت سما للفئران ، وبعض الموز وعادت إلى سجنها ... وكانت تشعر بعلاقة تكافلية بينها وبين الحزن داخلها ، وتودع قطرات المطر وأرصفة الشارع ، وورقات الشجر المغسولة ، وجارتها اليمامة التي في كل يوم تهدل لها بيوم جديد ..
أفرغت السم في طبق ثم بدأت تغمسه بالموز وتبتلعه ..
بعد قليل ذهبت إلى سريرها ، واستلقت تحملق في سقف الغرفة وتنتظر ساعة الموت بكل هدوء وحزن ، وعدم رغبة لا في الحياة ، ولا في أيّ شيء في هذه الحياة ..
وفجأة شعرت بأحشائها وكأنها ستخرج من فمها ، وأسرعت إلى الحمَّام لتخرج كل شيء من معدتها ..
ثم عادت للاستلقاء في سريرها ..
عاد هو ووجدها مستلقية تعبة ، ولكنها مرة أخرى أسرعت إلى الحمام لتخرج ما تبقى من الطعام من معدتها ..
ابتسم وقال :
أهااا ، مبروك يا حبيتي ، أنت حامل ولا شك ..
- " ماذا !!!
كلا لست حامل ، أنا تعبة فقط .... "
لكنه أصر على رأيه وبدأ يبتسم ويضحك ، وهو يحلم بفتاة صغيرة جميلة كأمها ،ومستقبل باهر ..
في اليوم التالي تأكَّدت من الدكتورة بحملها بجنين صغير عمره شهر ونصف تقريبا ، فشعرت بالخوف والذعر ..
ماذا لو أن السمَّ أثر على الجنين ، وولدت طفلا مشوها !!!..
ماذا لو عاقبها الله على انتقامها ، ومحاولتها قتل نفسها ، بالابتلاء بطفلها الجنين !!!
كان الذعر قد استولى عليها حتى النخاع ..
هرعت إلى الحمام لتتوضأ ، ثم صلَّتْ وصلَّت و صلَّت لله ..واستغفرت ربها ..ودعت أن يرزقها بطفل معافى كامل الخَلق والخُلق ، وشعرت أن احتراق ماضيها ورماد ذكرياتها لا شيء أمام مستقبل طفلها وسلامته ..
وسامحت زوجها ... وهرعت إليه إلى صدره الدافئ تبكي وتبكي علَّه يغفر لها أيضا ..
أحس هو بحبها وصدقها ، وشيء لامس شغاف قلبه ، فعانقها ، وهذه المرة بحبٍّ ومن دون أنانية وتملُّك ..
كان لوجود حياة صغيرة في أحشائها أثر عليها وعليه ..
فتغيَّرتْ هي ، وتغيَّر هو ...
وبعد سبعة أشهر رزقا بطفل سليم ومعافى وقوي البنية ...
شكرت الله وسجدت له لأنه تقبل استغفارها ورحمها ..وأعطاها زوجا محبا وطفلا سليما ..
أحيانا ما يبدو أنه شر لنا وأنه بؤس وأننا لا يمكننا العيش معه لدرجة أن نفكر بالانتحار ، هو نفسه خير لنا وحجر أساس لبداية حياة مشرقة أمامنا .." فعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم " ..
****
لم يكن قد مضى شهران على زواجهما ، وكانت مذهولة من هذه الحياة الجديدة التي أقبلت عليها ، وكان هو كمن يقبض على عصفورة جميلة رقيقة بيده ، من خوفه وحبه لها يكاد يخنقها ، فما كان منه إلا أن حبسها بقفص ذهبي ، وأسدل كل الستائر وأغلق كل النوافذ ، وأوصد الباب وجلس ليس له إلا مراقبة عصفورة مكسورة الفؤاد ، مخنوقة الأنفاس ..
في ذلك اليوم كان قد ذهب عريسها إلى عمله ، وكان المطر قد بدأ ينهمر طلّا جميلا كعادته في كل حدث مهم في حياتها..
قامت كعنقاء كسيرة من تحت الرماد ، وقد حانت ساعة الانتقام ، وارتدت ثيابها وخرجت إلى أقرب صيدلية ، واشترت سما للفئران ، وبعض الموز وعادت إلى سجنها ... وكانت تشعر بعلاقة تكافلية بينها وبين الحزن داخلها ، وتودع قطرات المطر وأرصفة الشارع ، وورقات الشجر المغسولة ، وجارتها اليمامة التي في كل يوم تهدل لها بيوم جديد ..
أفرغت السم في طبق ثم بدأت تغمسه بالموز وتبتلعه ..
بعد قليل ذهبت إلى سريرها ، واستلقت تحملق في سقف الغرفة وتنتظر ساعة الموت بكل هدوء وحزن ، وعدم رغبة لا في الحياة ، ولا في أيّ شيء في هذه الحياة ..
وفجأة شعرت بأحشائها وكأنها ستخرج من فمها ، وأسرعت إلى الحمَّام لتخرج كل شيء من معدتها ..
ثم عادت للاستلقاء في سريرها ..
عاد هو ووجدها مستلقية تعبة ، ولكنها مرة أخرى أسرعت إلى الحمام لتخرج ما تبقى من الطعام من معدتها ..
ابتسم وقال :
أهااا ، مبروك يا حبيتي ، أنت حامل ولا شك ..
- " ماذا !!!
كلا لست حامل ، أنا تعبة فقط .... "
لكنه أصر على رأيه وبدأ يبتسم ويضحك ، وهو يحلم بفتاة صغيرة جميلة كأمها ،ومستقبل باهر ..
في اليوم التالي تأكَّدت من الدكتورة بحملها بجنين صغير عمره شهر ونصف تقريبا ، فشعرت بالخوف والذعر ..
ماذا لو أن السمَّ أثر على الجنين ، وولدت طفلا مشوها !!!..
ماذا لو عاقبها الله على انتقامها ، ومحاولتها قتل نفسها ، بالابتلاء بطفلها الجنين !!!
كان الذعر قد استولى عليها حتى النخاع ..
هرعت إلى الحمام لتتوضأ ، ثم صلَّتْ وصلَّت و صلَّت لله ..واستغفرت ربها ..ودعت أن يرزقها بطفل معافى كامل الخَلق والخُلق ، وشعرت أن احتراق ماضيها ورماد ذكرياتها لا شيء أمام مستقبل طفلها وسلامته ..
وسامحت زوجها ... وهرعت إليه إلى صدره الدافئ تبكي وتبكي علَّه يغفر لها أيضا ..
أحس هو بحبها وصدقها ، وشيء لامس شغاف قلبه ، فعانقها ، وهذه المرة بحبٍّ ومن دون أنانية وتملُّك ..
كان لوجود حياة صغيرة في أحشائها أثر عليها وعليه ..
فتغيَّرتْ هي ، وتغيَّر هو ...
وبعد سبعة أشهر رزقا بطفل سليم ومعافى وقوي البنية ...
شكرت الله وسجدت له لأنه تقبل استغفارها ورحمها ..وأعطاها زوجا محبا وطفلا سليما ..
أحيانا ما يبدو أنه شر لنا وأنه بؤس وأننا لا يمكننا العيش معه لدرجة أن نفكر بالانتحار ، هو نفسه خير لنا وحجر أساس لبداية حياة مشرقة أمامنا .." فعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم " ..
****
بقلم : مؤيدة بنصر الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق