السبت، 26 أغسطس 2023

إشارات

 إشارات-علامات-طاقة-إيجابية-فيزياء-حياة-فأل-مبشر-نذير-سنونو-ولادة-دورة-

إشارات



ترتعشُ أجفانه المُثقلة وتضطرب أهدابه وهو يراقب بلهفة وانبهار سنونو مهاجرة تطوي الجغرافيا وتتحدى مقاومة الهواء بحجمها الصغير وتذرع النصف الآخر من الكوكب؛ لتأتي كلّ عام وتبني عشّها في سقف ممرّ المنزل المجاور.

 بصبرٍ وتفانٍ تبنيه بمنقارها و مخالبها الغضة قشّة قشّة وطينة طينة، ثم تبيض و تفقس صغارها، وتطير مع زوجها مُحضرة الطعام للصغار ...

دورة حياة كاملة يراقبها خلال أسابيع قليلة، ويطمئن لوجود السّنونو الأمّ مع صغارها كلما خرج ودخل المنزل، وأحيانا يلتقط الصور مُسبِحا الله على تلك الطاقة في الإصرار على الحياة لتلك المخلوقات الصغيرة.

 ولكنّ ذلك لم يستمر طويلا؛ إذ أتى الجار وأوقع العش وكنس المكان مرتاحا أنْ تخلَّص من أوساخ تلك السنونو وعشّها.

شعر بالغضب وحمل الصغير المتبقي وحاول أن ينقذه، أمسكه براحة يده وحاول أن يعطيه الماء والطعام ثم أعاده إلى العشّ المُتهدم ووضع العشّ على حافة جدار المنزل؛ لعلّ الأمّ تعود لتنقذ صغيرها، لكن دون جدوى كانت تحوم الأمّ مذعورة في الهواء وتحاول العودة إلى الممر ولم تكن تتعرّف على صغيرها حتى مات هناك على تلك الحافة...

انزلقت دمعات صامتة مُتحسرة من مقلتيه على زغبات جسد السنونو الوليد التي لم يُقدّر لها أن تنمو لتصبح ريشات قوية...

 السنونو نفسها عادت في العام التالي، ذَارعَةً نصف الكوكب بتلك الطاقة المتجددة، لتبني عشّها في نفس المكان، وهذه المرة أسقط الجار العشَّ قبل أن تفقس البيوض، وكان إصرار السنونو غريبا؛ فقد حاولت بناء العش ثانية وثالثة...

وهو...هو اعتاد أن يؤمن بالإشارات أو العلامات التي تصادفه وهو في مهبّ دربٍ جديدة أو باكورة عمل، أو حدث مهم في الحياة...

الغريب أنه حتى لو كان الحدث أو العلامة نذير سوء فإنه يربطها بشكل متفائل ومبشّر بالخير ...

رذاذ مطر، إذن حدث اليوم خير...

ضاعت الساعة، حسنا! فلنستفد من الوقت وننتبه...

عصفورة تُغرّد، إذن فلنقبل على الأمر...

سنونو مات، سنونو طار ثم عاد، حسنا! فأل خير نتعلّم منه الإصرار والمضي في الحياة ...

وإن لم يكن علامات، فهو يلف ويدور ليصنع واحدة:

 نعم! اتصال بالخطأ هذه علامة، كلمة قيلت هذه علامة، موسيقا عُزِفَت هذه علامة...

آمن دوما أنّ الله معه وأنّه يرسل له هذه العلامات ليوفقه أو يفرَّج عنه...

في أحلك الساعات، وفي أصعب الأوقات، وفي أمرّ المواقف، كان التفاؤل يملأه ببحثه عن العلامات وتطويعها لتعطيه إشارة...

وباستغراب قالت له ابنته -عندما طوّعَ إحدى الإشارات وكان سعيدا جدا- :

 -أخاف أن تُصدم يا أبي وتزول هذه السعادة لو كنتَ قد فهمتَ هذه الإشارة خطأ.

 قال:

-إذن هذا الشعور بالسعادة يكفيني...

تلك الطاقة الإيجابية كانت أجمل ما فيه، فمن الصعب حقا أن يملك أيّ إنسان تلك المَلكة...

الطاقة كامنة دائمة في كلّ مكان وفي كلّ جسيم وفي كلّ ذرة وفي كلّ إلكترون...

تلك الأورا التي نملكها طاقة...

تلك العيون تتفجَّرُ منها الطاقة أو تسكن وتتجمّد، لكنها موجودة...

لم لا تكون مشاعرنا طاقة؟!

 طاقة إيجابية أو سلبية تنتشر فتبدو أنها مُعدية...

وقد نضطر لتفسير ما نجهل من منطلق الطاقة :

لم لا يكون الحسد طاقة استحواذ ورغبة عارمة تصيب المحسود باهتزازاتها لوهلة!

لم لا يكون الحبّ طاقة تنبعث اهتزازاتها كسهام تصيب قلب المحبوب!

لم لا يكون الكون طاقة انفجرت منذ الأزل وما زالت انبعاثاتها مستمرة إلى يوم الساعة!

تلك الطاقة كتلك القدرة التي تجعل العنقاء تنهض من الرّماد والعدم...

حسنا فلنعتبر هذا إشارةً تُهدينا للفيزياء من حولنا -مع اعتذاري الشديد للفيزيائيين-

*****

 

 بقلم : نادية محمود العلي

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق