ساعي-بريد-انقرض-مستحاثة-رسائل-حنين-دار-انترنت-تواصل-اجتماعي-وطن-
وانقرض
ساعي البريد ...
ساعي البريد يطرق بابنا :
هذه
رسالة من أختي المتزوجة في مدينة بعيدة ، تبثُّنا شوقها وأخبارها ..
وتلك
أخرى من أخي المسافر خارج الوطن، يبثُّنا حنينَ الغربة والألم ..
هنا ظرف
جميل عليه طوابع ، من صديقة لي في المراسلة ، ترسم لي عادات وتقاليد بلادها بريشة
الكَلِم ..
بابتسامة طفولية ، سأجمع الطوابع في ألبوم جميل
وأنسِّقها ، سأحتفظ بالرسالة الغالية بين أوراقي الغُرَّة ...
بتُّ زوجةً
وأما صغيرة في وطن آخر ، أكتب رسالة مُحمَّلةً بالشوقِ لأمّي وأبي وأخوتي وربيع
بلادي ...
ساعي
البريد يطرقُ باب الدار العتيقة : يسلم رسالتي ...
يقرأها
الجميع بشغف ...
وهاهنا
بين يدي َّرسائل جميلة من أهلي و صديقاتي ،
أقرأها و أشتم رائحة الزيتون والتين بين ثناياها ، وأكاد أرى سنابل القمح
وابتسامات الوجوه بين سطورها ....
بابتسامة
حنين شابة أرتبها بحرصٍ في صندوق رسائلي
القديمة وبين طيات وثنايا الورقات الصفراء
..
الآن في
عصر الإنترنت وزحمة مواقع التواصل الالكتروني :
رسالة بريد
إلكتروني ، وساعي البريد مجرد تنبيهٍ أحمر
...
كلمات
شوق وصورةٍ تصلني على الواتساب في جوالي
....
أصوات الأهل يكلمونني في السكايب ...
وبابتسامة
ناضجة متعبة ، أحتفظ بالصور في ذاكرة
الكترونية ....
إنها زحمةٌ غريبة تملأ جهازي الصغير
...
وأردت إرسال تحية تقدير لمخترعه المبدع
...
قلبي
المتعب يتساءل عن رائحة الورق الأصفر ، حتى باتت عروقه ريشة ترسم على جدران عقلي الباطن بابَ الدار العتيقة ، التي باعها الصغار و خلف
درفتيه غرباءٌ الآن ...
وأين
ساعي البريد حاملا شنطته الغريبة ! يمسح بمنديل قماشي جبينه ، وبابتسامة صابرة يسلم بيده السمراء الأظرفَ
كأرغفة صغيرة هي غذاء للروح ...
وأردت
أن أرسل له تحية ، ولتلك الجدران وذلك الباب ...
ومهلا!!!
انقرض ساعي البريد و انقرضت معه تلك الدّار، وبصماتُ
الغرباء أخفت بصماتي وأخوتي الصغار ،لتصبح
مجرد مستحاثات في تلك الزوايا خلف
درفتي ذلك الباب !!
هل
تكسّرتْ أجنحة الحنين، حتى باتت سجينة دوامة الزمن !
ولمَ
يا أمّي أصبحنا غرباء في زمن التواصل الاجتماعي وسرعة وصول الكلمة والاكتساح
المادي !
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق