زهرة -بنفسج-عطاء-حب-جدب-صقيع-حرب-سلم-بشر
زهرة البنفسج
مددتُ يدي بتردّد لأسحب دفتري من يده المعروقة...
هو أستاذ اللغة العربية القدير الذي يهابه ويحترمه الجميع ، وكان
من أولئك المعلمين الذين لا مجال لطالب مهما كان مشاكسا أن ينال من هيبته وقوته
...
خفتُ أن أفتح الدفتر لأرى تعليقه على موضوعي التعبيري عن الزمن
الذي كان قد طلب منا أن نكتبه كواجب مدرسيّ ...
لكنّ فضولي هزم خوفي ، وفتحت لأقرأ تلك الجملة التي بقيت محفورة في
ذاكرتي سنوات طويلة ، جملة جعلتني أتغيّر ...
كتب بالأحمر :
(أنت وأمثالك يا نادية كزهرة البنفسج ، تعطون في أيام الجدب ، لهذا
أنتم متميّزون على غيركم )
بحثتُ عنها ...عن زهرة البنفسج
، وتماهيتُ فيها حتى الاتحاد ...
بنفسجيةٌ بتلاتها الرقيقة الحزينة، أوراقها قلبية الشكل ملتصقة بتواضع بذرات التراب كطفل يغفو في حجر أمه ، وتنثر عبقا يدغدغ أعصاب الشم إلى الخلايا الرّمادية ثم يضخ الدّوبامين في الدّم ، يفوح عبيرها في الوقت الذي تموت وتجفّ فيه بقية الأزهار ...
إنها تزهر في أيّام الجدب والصّقيع ،وتذرف دموعها ببطء فتتكاثف
قطراتِ نّدى كلّ صباح لتلمع بتلاتها الصغيرة برقّةٍ وجمال في الجوّ الغائم .....
تعلّمتُ منها أنْ أعطي في الوقت الذّي لا يستطيع أو يتوّقع فيه أحدٌ أن أعطي ...
أن أتواضع دون ذلّ ...أن أحبّ دون أنانيّة أو تملّك ،و
أن أكون دائما جميلة ونديّة، حتى في وقت الحزن والكآبة....
حريّ بنا نحن البشر في زمن نرتكب فيه المجازر باسم الحبّ والسّلام أن
نتعلّمَ من زهرة البنفسج كيف نعطي ونحبّ ...
ونغسل نفوسنا في وقت الحزن ...
في وقت الصّقيع والجدب ..
في وقت السّلم والحرب ..
*****
بقلم : نادية محمود العلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق