وجوه
اليوم
الأوّل لي في النادي ...
ورغم تفاوتِ الأجسام التي أراها ، إلا أنّ الوجوه
بدت مألوفة ...
وجوه كانت معي في محطات حياتي،وأكاد أقسم أنها تتكرر في كل مرحلة :
ابتدائي ،متوسط ،ثانوي ،جامعة ،مكان العمل،جيران جدد وفي معظم التجمعات ...
وراودني شعور بالاجترار وكأنّ الحياة تجترّنا مرارا وتكرارا ، وفي لحظاتٍ مبهمة نبدو
أننا نجترّ حياةً بدت لوهلة أننا قد عشناها، ووجوها مررنا بها يوما ، وآلامًا
قاسيناها ،وأفراحًا راقصناها ، ونهمس ونحن مستغربين :
- كأنّ هذه اللحظات قد عشناها سابقا !
هذا
الوجه يشبه وجه رفيقتي "نهلة" في الابتدائي بسمرته الصافية وغمازة تُزيّن
الوجنة ...
وهذا
يشبه وجه صاحبتي "كوكب" بصفاء بياضه وعيونه المشقوقة وامتلاء الوجنتين
حتى تكادا أن تنضحا منه ..
هذا
الوجه الذي تتسابق عيناه قبل شفتاه في الابتسام ...اممم ...يذكرني بوجه جارتنا "أم مالك"
عندما كنت صغيرة ...
وذاك بملامحه
الحادة يشبه ابنة جارتنا "ميّادة" ،كنا نلعب صغارا ...
تلك تشبه
أختي تبتسم لي ثم تهرب نظراتها ...
وهذه تبتسم لي بودٍّ وتنظر إلي نظرات خاطفة
مترددة ،كأنها تعرفني ،وجهها بدا تماما كوجه معلمة اللغة في المتوسط ..
الغريب
أن أكثر الوجوه التي نتذكرها بوضوح هي أقدمها !
والأغرب
أنه من بين كلّ الوجوه ومن اللا شعور انتقتني وانتقيتُها، كما لو كان الأمر تقاطع
أقدار ، حيث اقتربتْ مبتسمة تسألني :هل أعرفك
؟ لقد رأيتك سابقا في مكان ما ؟
وبدأت تُعدِّدُ
الأماكن أو الأناس الذين من الممكن أن تكون قد قابلتني فيها أو عندهم ، ولكن لم
يكن أيّ منها أو منهم ...
وصرنا
صديقتين بكل سهولة وبسرعة استرعت استغراب ابنتي وعائلتي ، وتبادلنا الزيارات وقصصّ
الحياة بهمومها وأفراحها وآمالها ...
ولكن ...مهلا ...
وأنا مذهولة تماما -وتبدو تلك اللحظة من لحظات
الاجترار- أرى في وجهها وفي صوتها وفي طبعها ، وجه صديقتي القديمة ...
ألا يبدو
هذا غريبا!
تذكرت
فيلما أجنبيا بعنوان " Triangle " أي " مثلث " فيه البطلة تُعادُ
دائما إلى نقطة البداية بعد المرور بأحداث وأشخاص وأشياء هي نفسها لكن بمواقف
مختلفة، وفي كلّ مرة تحاول أن تغيّر النتيجة تعودُ إلى نقطة الصفر لتبدأ من جديد
...
وقتها شعرت أن الفلم مَحضّ خيال وتهيّؤات هوليودية مثيرة
، لكن الآن أودّ مقابلة كاتب النصّ لأسأله إن كان نصّه من وحيّ لحظات الاجترار!
أم أننا
في اللاشعور تبقى دائما ذكرياتُ وأحلامُ وآمالُ وترسبات الطفولة ، تقودنا للاختيار
...
****
بقلم : نادية محمود العلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق