الفطرة - السوداء- قط - أسود - شر- خير - قصة - قصيرة -
الفِطرة السوداء
ليلةٌ دعجاءُ أثقلتْ ببردها على الأنام ولفَّتْ الظِّلال حول كاهلها ثمَّ أردفتْ أعجازَها فوق أفق
البسيطة مُغرِقَة إيّاها في لُجَّةِ الظّلام
، وفي تلك اللحظات يسود الصّمت
مهما علا الصّخب و تتلقفنا من أحضانه الساكنة
الأفكار،فتدور وتلفُّ كأقمار
الكواكب ،ولكنَّها وهي تتأمل بعينيها كوز الذرة المسلوق بين أناملها و تقارن الشّبه
الكبير بين حبَّاتِه وأسنان الإنسان وتفكِّر
بالأمثال التي خلقها لنا الله من أبسط الأشياء فتسبِّحُ الله وتتفكَّر بخلقه وبجمال الحياة وسرّها
البسيط المكنون الذي عقَّدَه الإنسان وملأه بؤسا وشقاء وشرَّا مُستطيرا ، ،تراودها أفكار مجنونة بأنّ الأذى والشّرّ
فطرة في ابن آدم كما الخير ،أو كبذرتين كلّما روينا إحداهما - الخير أو الشّر –
نمتْ وكبرتْ وترعرعتْ فينا ،وربما اسْتشرَتْ جذورها حتى النخاع فصَعُبَ اقتلاعها
...
ومن بين الصّور التي أوحى بها سواد تلك الليلة مرّت أمامها صورة ذلك القطّ الأسود الصغير في الحديقة القريبة ، من بين
ثلاثة أخوة له رُضَّعٍ يحتمون بأمّهم ،
لكنّه كان دائما بعيدا يموء بإلحاح ، ويواري
دُعجة وبرِهِ وكأنَّ السّوادَ خزيٌّ حتى بين الحيوانات ، ولا يقترب من أحد ولا
يأكل ما يقدمونه لهم من طعام إلا بعد
انتهاء أخوته وأمّه من الأكل ، وزاد الطّين بِلَّة أن الأطفال والناس يعاملونه
أيضا بعنصريّة :
-
انظروا إنّه قطّ أسود!
-
إنّه جنيّ !
-
أخاف منه !
-
اضربوه!
ووصل الأمر إلى محاولات إيذائه ، حتى تشوهت إحدى عينيه
...
رويدا رويدا - ومن
إصرار الحياة تتفجَّر أساليبٌ للعيش والتشَّبثِّ بها والدّفاع عن الذّات - صار مُتنمِرا
يضرب أخوته ويبعدهم عن الطعام حتى ينتهي هو ،ويعرف كيف يبتعد عن الأذى وعن الأطفال
خاصّة ،ويلاحق الناس ويلحُّ من أجل فُتات
الطعام ،ويعرف أنها وأسرتها لا يؤذنه فيتمسَّح بهم ويركض إليهم كلما رآهم مقبلين حاملين له ولأخوته الطعام ...
بات وأخوته طقسًا من طقوس أسرتها اليومية ، أطفالها
يلاعبوهم ويطعموهم ، ويحزنون عند رؤية أحد منهم متأذيا أو مجروحا ، بل ويبكون
بحرقة من أجلهم ويتساءلون لماذا يؤذي الناسُ مخلوقاتٍ بريئة !!
سافروا فترة وعندما عادوا لم يجدوا القطّ الأسود واثنين
من أخوته إلا واحدا ، حاولوا البحث عنهم وخمّنوا أنّ مكروها ما أصابهم ، ربما ذلك
الرجل التي يأتي بين فينة وأخرى ويمارس هواية الرّماية ببندقيته على خلق الله
والحجر في ذلك البناء المجاور المهجور الذي تأوي إليه القطط والطيور غالبا،وربما دهستهم سيارة مارَّة ،
وربما آذاهم شخص ما أو أخذهم ، وتمنّوا من أعماق قلوبهم أن يكونوا قد رحلوا إلى
بقعة ما أو حديقة ما لا تطلهم فيه أذية ابن آدم ...
المؤسف أنها اكتشفت أن الإنسان أو ربما شيطانه يروي
غالبا بذرة الشّرّ والهوى حتى تستشري جذورها و تنغرز أغصانها في الصّدور ، حاجبةً
حتى أبسط شعاع من نور الشّمس أن يوقظ بذرةَ
الخير المنسيّة ، لتُسحَقَ تحت أرداف ليالٍ دعجاءَ ثقيلةٍ باردة طويلة ....
****
بقلم : نادية / مؤيدة بنصر الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق