الأحد، 18 أغسطس 2024

أزهار الظل

 ظل-زهرة-موت-حياة-مطر-حديقة-أشباح-أقران-نوم-

أزهار الظل  



أزهار الظل  

أغلق الستارة جيدا بحيث لم يسمح لأي ضوء أن يتسرب، وأطفأ الأضواء في غرفته استعدادا للنوم، راجيا أن يغوص في سريره ويباغته النوم بضربة قوية حدّ الإغماء فلا يشعر بشيء حتى الصباح..

أرجع رأسه على الوسادة وأغمض عينيه علّه يرى الظلام فقط، منتظرا أن يغوص في قاع النوم دون وعي، ولكن صوت المطر أرغمه على فتح عينيه والاصغاء لضجيج قطراته المتراشقة   على رصيف وإسفلت الشارع، وتسلّلت ظلال الأعمدة والأشجار والأبنية من خلف ستارة النافذة المُحكَمة الإغلاق، وتسربت منها متشابهة لا ملامح لها مثل بيادق الشطرنج، ثم امتدت وانقبضت  فتكورت بقعةً واحدة على الجدار قريبا من السقف ...

بدت البقعة حفرةَ زمنٍ سحيقة تقبع مخاوفنا فيها كوابيسا تلاحقنا، فهزّ رأسه ليطرد أفكاره وظلالها، جلس ثم وقف، تأمّل طويلا ثم اقترب من الجدار وانعكس ظله فوق البقعة، توقف وأمال رأسه فانحنى معه الظل بلا أبعاد بلا زوايا بلا عمق...

تساءل: (أَظِلالنا أشباح؟ أم أقران؟!)

رجع خطوات للوراء فابتعد ظله في الجدار، عاد ليستلقي وعيناه مُسمّرتان في بقعة الظلال التي بدأت تتوّسع وتتشتّت إلى خيوط وأشكال مختلفة تتناثر على الجدران والسقف كلما مرت سيارة في الشارع، في الواقع بدت مثل أشباح تخترق الجدار القابع أمامه بكل سلاسة ثم تتجمد ناظرة إليه...

سرى البرد في أطرافه وارتعش كأنه يتجمد، ولا يدري لمَ تراءت لمخيلته من بين الظلال تلك صورةَ أمه في كفنها الأبيض: فمها وفتحات أنفها محشوة بالقطن ووجهها مقطب الجبين مصفر مثل زهرة "القُرّاص الميت"، تزهر في الظلّ، هناك في الحفرة التي تحتضنها حتى يوم الحشر، ثم تنهض ظلالا مع البشر تمتد وتمتد وهي تنتظر مصيرها...

 تهافتت صورة والده الذي تخَضَّبت شفتيه بالدماء المتدفقة من أحشائه ساعة موته، كزهرة "سوسن جرماني أسود"، رافع الرأس خاضع النظرات، في حفرته تلك يزهر في الظل وسينهض يوما ويمتدّ و يمتدّ مع ظلال الحشر...

وهنا تمايل أمامه ظلُّها، ما زال ملتهبا يشهق الحبّ ويزفر الرّغبة ثم يذوي في حفرته زهرةَ "نرجس برّي "تزهر في الظل، وستنهض يوما من تابوتها لتمتد وتمتد ظلا يتهادى لمصيره بين الحشود...

تسابقت الظلال أمام مخيلته تبتلع على التوالي بدون رحمة صور كلّ من مرّ في حياته مثل أشباح سوداء عملاقة خطت خطوة واحدة سريعة قوية، فكانت دوسة أوّل قدم في المهد والثانية واسعة ممتدة حتى اللحد، وما بين الاثنتين يغشى حلمٌ غامض، لو خرج الأسوأ فينا لكان كابوسا حالك السواد وإلا فإنه ومضات "ديجا فو" تتراءى سريعة كنسيان ينبض ثم يموت في سكون، كحياة أخرى عشناها ثم دفنها الدماغ في الخلايا الرمادية كتابا مُشّفر بشيفرات الظلال...

ظلالٌ تصارع النسيان في غابة الأشباح، حيث نباتات وأزهار الظل تنمو ملتصقة بالتراب تحت جذوع أشجار الظلام الباسقة، ترشف الندى كلّ صباح وتمتد عريشا تُعشّش فيه طفيليات وحشرات وطيور مفروطةٌ ريشاتُ أجنحتها، توالدت أجيالا لا تعرف الطيران وتخبئ بيضها بين الظلال، وتخاف من النور لأنه يعمي بصرها...

 شعر ببرد وألم شديد في أطرافه فغطاها بدثار آخر وبدأ يفركها ببعضها علّه يشعر بالدفء، وأرجع رأسه وهو يئن ليغوص في الوسادة، وكل ما أراده أن ينام...

تسربت من أطراف جفنيه قطرات مالحة دافئة جعلت وجنتيه دافئتين ولكن أطرافه ظلت باردة، وهمس: أريد أن أنام...

أمال رأسه قليلا تجاه الجدار وخُيّل إليه أنه يرى ظل دموعه الحارقة التي لم تستطع أن تدفئ أطرافه...

 أراد أن يغلق جفنيه وينام لكن عينيه ظلت محملقة في الظل هناك تتسرب منها قطرات حارة جدا ما زالت غير قادرة على تدفئة أطرافه...

-أريد أن أنام ...

بردت القطرات وتجمدت على وجنتيه وعيونه ظلت محملقة في الظل على الجدار هناك، مفتوحة جاحظة لم يباغتها النوم بضربة وإنما باغتتها الظلال بنفثات باردة باردة جدا حتى تجمدت الحياة في عروقه وانضمت روحه الى أقرانها على الجدار الذي بدا حديقةً من أزهار الظل..

ولم ينم ....

تُرى أيّ زهرة ظلّ سيكون؟! 

 

 ****

نادية محمود العلي 

السبت، 3 أغسطس 2024

قراءة في رواية العطر

قراءة في رواية العطر



قراءة في رواية العطر


بوسعهم "أن يغمضوا عيونهم أمام ما هو عظيم، أو مروّع أو جميل، وأن يغلقوا آذانهم أمام الألحان والكلام المعسول، ولكن ليس بوسعهم الهروب من العبق، لأنه شقيق الشهيق. فهو يدخل معه إلى ذواتهم، دون أن يستطيعوا صدّه، إن رغبوا بالبقاء على قيد الحياة، كما أنه يدخل إلى أعماقهم، إلى القلب مباشرة، حيث يتم الفصل الحاسم بين الميل إليه أو احتقاره، بين القرف منه أو الرغبة فيه، بين حبه أو كرهه".

لطالما تساءلت عن الحكمة وراء تحريم تعطر المرأة عند خروجها ، وعن مدى تأثير الروائح في مشاعرنا وتحكمها في سلوكياتنا، حتى وقعت بين يداي مؤخرا رواية العطر التي نحن بصدد الحديث عنها الان، لتعود وتلح على من جديد نفس التساؤلات.

هل هناك رائحة ما بوسعها ان تجعل البشر سعداء واخرى تجعل منهم تعساء، هل يمكن ان ينشر عطر ما روح السلام بين البشر مثلا بينما اخر تندلع على إثره حروب شعواء، هل يؤلف العطر بين القلوب وغيره ينفرها، هل تنزل السكينة او يحل الخوف جراء اثير في الجو....!؟

الى اي حد يمكن ان تتلاعب بنا روائح الاشياء والاشخاص..!؟

لست أدري

 لكن اعرف جيدا ان ثمة رائحة بمقدورها ان تحملني الى زمان ومكان قد مضى..!


رواية العطر هي رواية تعج بالروائح المتباينة و سأحاول ان اتناول الرواية بايجاز شمولي او اسهاب مقتضب لست ادري حقيقة، بل وربما ايضا اعود لها ثم منها مرارا وتكرارا ، لانها في نظري بئر عميقة لا يمل ابدا الاغتراف منها بيد انها لا تنضب.


روايتنا اليوم من هذا النوع الذي ما ان اجتمعت به لا تترك لك المجال من المغادرة دون الانتهاء منها، بل وبعد الانتهاء من قراءتها، تظل تسكن تفكيرك وتراودك تعبث هنا وهناك ثم تبعث رسائل ورؤى .

الرواية مصنفة تحت بند أدب التراجم وهي للكاتب الالماني باتريك زوسكيند وترجمها للعربية الرائع نبيل الحفار


تحمل النسخة المترجمة من الروية الكثير والكثير من البهاء والسخاء في عرض الافكار وتجسيد المواقف وتوصيف المشاعر بشكل ادبي غاية في الروعة والاتقان مما يقودك وبلا شك لمتعة جمة.

الانتقال بين جنبات الرواية سواء صفحاتها واحداثها هو انتقال رشيق وشيق للغاية لا ينتابك خلاله غير مشاعر الحماس والاستمتاع.

الرواية تلقي الضوء على حقبة زمنية عاشتها عاصمة الموضة والفنون والجمال، فينتج عن ذلك ان يعيد القارئ تقيمه وحكمه على بعض الذي ظنناه دائما مسلمات وبديهيات وبالتالي التخلص من عقدة الخواجة والتأكد من انه ليس كل ما يلمع ذهبا بل ربما يكون محض سراب..!

على هامش الرواية سمعت نميمة تهمس من بعضهن مفادها ان ارقى العطور الفرنسية واكثرها ثباتا كانت بالكاد محاولة لدحض وطمس الرائحة القذرة لباريس..!

هذا ما سمعت والعهدة على الراوي ... لا بأس لا يعنيني البتة، زجاجة ديور على سبيل المثال لا الحصر تعد من اعظم كنوزي ومقتنياتي الشخصية..!!!

كان لي الكثير من الوقفات شعرت خلالها بمشاعر متضاربة على غرار الشفقة و التشفي، الضحك والبكاء، الاشتهاء والاشمئزاز، وما الى ذاك من التضاد....

لا انتوي فض ستر الرواية ولكن سوف اعرض رؤيتي الخاصة لها مع توصية بقرائتها لانها تجربة ثرية وبجدارة تستحق الاطلاع.


الرواية تستعرض اوضاع أولئك الذين لا يؤمنون بسوى الملموس والمحسوس من الأمور ودونما ذلك لا تترجمه عقولهم ولا تراه عيونهم ولا يستشعروه بالمرة .

هم ربما يكونون غير مؤذيين بطبيعتهم وان خلفوا من خلفهم كوارث دون وعي او رغبة منهم.

هم منشغلون فقط بالسعي المجد الدؤوب لتلبية حاجات حواسهم المحسوسة الملموسة وفيما عدى ذلك لا يقرون ولو اجتمع سائر الخلق على ثبوت الشيء.


المشاعر بحلوها ومرها، الروحانيات بكل ما تشمل من عقائد ويقين وطقوس، الصفات الممدوح منها او المذموم لا يستشعروه بالمرة.

هم مجردون على حد سواء من لوم الذات او الفخر بها اذ انهم فارغين مجوفين من الذات، هم بلا ذات ان صح التعبير، لا يحبون بيد انهم لا يكرهون ايضا، هم فقط يحتاجون ويسيرون على درب واضح جلي يسكن في نهايته قضاء حاجتهم ولا يعنيهم بالمرة مدى استقامة او يسر الدرب ، جل ما يعنيهم هو الغاية منه.

ماذا بعد...!

ماذا بعد ان ينهلون ثم ينهلون المزيد ثم المزيد من كل ما هو محسوس وملموس..!؟

هل تشبع الاذن، العين ،الانف ، الاطراف هل تكتفي من زخم اللمس يا ترى ، هل تمتلئ البطون حد الاكتفاء ، هل يوما ما ستصل الفروج الى ذروة ذرو المتعة فتكف وتعف ...!؟

هل وهل ..... ثم هل وهل

هل من روح تشبع ، هل من ذات تقنع ، هل من نفس تضع حدا لغول المحسوس والملموس الجشع الشره الذي لا ولن يشبع ابدا...!


الله وحده الذي وسع كل شيء علما ،الخالق البارئ المصور ، الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور

هو فقط من يضع عندها حدا لنزيف الرغبة و الاشتهاء بقوته وجبروته

الآن سواء عن قصد أو بدون ، قد امتلك بطل الرواية القدرة على التحكم بكل شيء،  وبلغ من القوة والسيطرة اكبر مدى لكن للاسف هو لا يملك ذات

ترى ماذا يفيد ان امتلك الانسان الكون وهو لا يملك ذات


نخلص إلى أنه يكمن جوهر الانسانية في درء هوى النفس ومجاهدة وتقويم ميلها ،إذ تكتسب الذات قيمتها ويتجسد وجودها بل وتسمو ويتشكل كيانها بناء على مدى مقاومة الرغبات والغرائز والاحتياجات وتأطيرها وتقنينها في القنوات التي تقرها الشرائع والاخلاق.

وعندما تنكشف تلك القيم جلية مع تتابع الاحداث وتصاعدها، و هنا بالتحديد في مشهد مهيب يدرك بطلنا الوجه القبيح للشهوانية القميئة والذي لم يكن في حسبانه على مدى احداث الرواية لكنه اصطدم به رغم كونه ردة فعل طبيعية لسيطرة الحواس على البشر .

فنصل الى نهاية رحلتنا عندما يميع معنى الحياة في عيون بطل الرواية فتصبح الحياة والموت سيان في وجدانه ، بل يحدث حتى ان تستحيل الحياة وتتحول لعبء ينشد منه الخلاص بالموت ، او هذا ما قد كان عندما تلاشى البطل في نفس مكان نشأته الاولى وبطريقة لا تقل عنها ايضا غرابة ووحشية، ليسدل الستار وكلنا يقين ان حياة هوى النفس وضيعة رتيبة جوفاء من اي معنى او قيمة بينما ترقى الذات بحروبها وانتصارتها وان كانت هي الخصم والحكم ..!!!

****


نسرين مصطفى

الخميس، 18 أبريل 2024

نعمة أم نقمة؟!

عجز-مكتسب-فيل-عاصفة-قيد-سجن-وقت-آريز-عدو-سجان-مطرحرية-

نعمة أم نقمة ؟!


في عينيها كان الصمت والصخب، النور والظلام، الشهوة والزهد، الأمل واليأس، الفضيلة والرذيلة، البراءة والتلاعب، الحكمة والجنون، وكان فيهما الحب لكن من دون الكره، وهذه كانت ميزتها...

أكانت عيناها نعمة أم نقمة؟!

مشت مرفوعة الرأس كظافر، مفتوحة الصدر كمحارب، رشيقة القوام كأنثى كاملة، ينضح جسدها بالثورة وتفيض محيطات الحب في عيونها؛ فكان يراه الرجال رغبة وشهوة، وتراه النساء أنوثة وتواضعا، ويراه الأطفال حبا ولطافة، والشيوخ يرونه كرما ورحمة، باختصار كانت محبوبة الجميع...

لا أعداء؟!

بالطبع دوما هناك عدّو ولو قلّ عديده؛ لكن عدوها كان يُهزم لأنها محاطة بمحبة ودعم الجميع ...

لم تكن تعلم أن لميزتها تلك القوة، قوة هائلة حتى لتغير العالم من حولها...

يمكنها التلاعب بمشاعر الآخرين لكنها لا تفعل، هذا سيعطي ميزتها قوة أكبر لأنها تزيدها تواضعا وصدقا وبالتالي حبا...

تتعب أحيانا لأنها بشر لكنها حتى في تعبها معطاءة...

لم تكن ملاكا فلا وجود للملائكة على الأرض، ولم تكن شيطانة فالشياطين لا تتلبس الحب، ولم تكن قوية محنكة إلا أنّ ضعفها هو قوتها وحنكتها في حدسها الذي لا يخطئ....

وكانت تعرف متى تنسحب ومتى تبادر، متى تصدق ومتى تكذب، متى تكون قديسة ومتى تكون مذنبة إلى أن حدث ما حدث....

عدوُّ أناني ومتملك وقع في حبها وأقسم أن يمتلكها، فتبعها في كل خطوة منتظرا أن يصطادها كلبؤة أو ربما كفراشة، فقد كان يراها قوية ملكة كاللبؤة ولطيفة جميلة رقيقة كالفراشة، والاثنتين اصطيادهما صعب...إذن؟؟؟؟

فكر وفكر ثم عبس وبسر ثم انفرجت أساريره عندما قرّر أن يصطادها بسلاحها " الحب".

لم تكن تعلم أن العدو يمكن أن يعطي الحب، فوقعت في فخه كفراشة رقيقة ثم حاولت أن تلوذ بالفرار كلبؤة جريحة، ولكن عبثا...

عدوّها وصيادها أعطاها الحب والاهتمام لكنه حاول ترويضها بالقسوة والتملك والأنانية، غللها بالأصفاد وربط عنقها بطوق ضيق...

 صفعها أحيانا وأحيانا قبّل خديها، قصّ جناحيها ثم تحداها أن تطير، ضربها بالسوط ثم حاول مداوة جروحها، استعبدها ثم نزل عند قدميها يقبلهما، اغتصبها ثم طلب منها أن تبقى عذراء شريفة، أطفأ جذوة الحب في عينيها ثم سألها الحب والطاعة...

عيّن العدو عليها سجانا يراقبها ليلا ونهارا، وتوسّلت إلي السجان أن يجعلها تهرب من زنزانة عدوها ولكنه كان صامتا دوما، يجلس القرفصاء بعيدا يراقبها من بين قضبان باب سجنها، يبتسم تارة وتارة يعبس، يقدم لها كل ما تحتاجه، ويربت على يدها في كل مرة، وفي كل مرة تمسك بيده  وتستجديه أن يفتح لها السجن...

رويدا رويدا توقفت عن الاستجداء، وفي ذات ليلة كانت فيها الريح تصفق كل شي مسطح وتصفر في كل شيء مجوف وتهز كل شي واقف له جذور وتحمل معها كل ما هو يتدحرج أو هشا، حملت طبشورا عتيقا وبدأت ترسم فيها على جدار زنزانتها رياحا غاضبة بوجه مخيف وبشريّا مقوس الظهر يبتسم ابتسامة شريرة ويقطر من يديه الدم قطرات صنعت بركة تحت قدميه، واسترقت نظرة لسجانها الذي بدا غير مهتم إلا أنها بدأت تحكي فجأة حكاية فقالت:

كان ياما كان، رياح لطيفة هادئة تتجول يوميا في البراري وهي تعزف نايًّا كان كل من يسمعه يغرق في نشوة الفرح والأمان، ولم تكن تغضب أبدا لأن مهمتها نشر السعادة والسلام بين المخلوقات، حتى جاء اليوم الذي اصطدمت فيه برجل تقطر من يديه الدماء لأنه يرتكب المعاصي ويقتل الأبرياء ويسعى في الأرض فسادا. عزفت له الريح ودغدغته وحاولت طويلا أن تغيره إلا أنه استمر بسفك الدماء والتمادي حتى غضبت الريح وقررت أن تعاقبه فكانت أول عاصفة في التاريخ، صفقت ظهره حتى تحدب، ونفخت في أذنيه حتى صُمّ، ودحرجته حتى طار ثم رمته على الصخور حتى تهشم وألقمته للمحيط ليبتلعه في أحشائه المظلمة، ومنذ ذلك الوقت كلما ارتكب أحدهم إثما ولم يرتدع تهبّ العاصفة وتقتلعه.

استرقت النظر بطرف عينيها إلا أن السجّان لم يحرك ساكنا...

 لم تكن واثقة إن كان يصغي إلا أن ذلك خفف من وحدتها ومن خوفها، وصارت تحكي في كل ليلة حكاية وترسم على جدران زنزانتها لوحة لكل قصة، كان السجان يتأمل في كل مرة طويلا رسمتها وكانت تلاحظ بصعوبة ابتسامة مخفية في عينيه وفي زاوية شفتيه...

تكرر كل شيء بصورة أو بأخرى وصار روتينا اعتاده الاثنان، ورابطة خفية انعقدت بين الطرفين مع العشرة والسنون حتى جاء ذلك اليوم الذي نطق فيه سجانها لأول مرة...

كانت ليلة دعجاء عاصفة، نبالٌ من المطر انهالت من جعبة السماء وقذفتها الريح الهوجاء لتضرب الأبواب والنوافذ والأرصفة وتلوي الأشجار كأنها تشدها من شعرها حد الاقتلاع، ويبرق الضوء ثم يدوي الرعد كزمجرة وحشٍ هائج، وفجأة دُفع الباب الخارجي ورشقت الرياح قطرات المطر كحبات اللؤلؤ من خلال قضبان باب السجن، ثم نفخت شعرها الأسود للوراء وتطاير ثوبها فوق جسدها الناعم المُعذب فبدت كأميرة في حكايات الأجداد، ومن وراء درفتي الباب الخارجي ولج جسد مفتول العضلات مبلول الثياب وبزنديه حاول بصعوبة إغلاق الباب في وجه الريح ، ثم التفت إليها وفي عينيه إصرار غريب متجها نحوها تضيء قسمات وجهه الجدّي مع كل ومضة برق، وبالكاد عرفته ، إنه سجانها الذي عيّنه عدوها عليها...

همس -ولأول مرة تسمع صوته حتى ظنته أخرسا-: سأحكي لك اليوم أنا حكاية ...

ابتسمت فتابع دون أن ينتظر إجابة:

-كان يا ما كان، كان هناك فيل صغير جدا أخذوه من أمه عنوة وهو يرضع، ربطوا إحدى قدميه بحبل قوي جدا وأبقوه في السيرك عندهم يدربونه ويضربونه تارة وتارة يكافئونه حتى اعتاد أن يتصرف كما يريدون، وكبر فيل السيرك الصغير وهو مربوط بنفس الحبل لكنه أصبح فيلا ضخما لو شد رجله لانقطع الحبل بسهولة واستطاع الهرب، ولكن هل تعرفين ماذا جرى؟!

حدّقت فيه طويلا مستغربة، وحدق فيها بعينين مفتوحتين حد الانفراج ونظراته كانت كرشقات تلك الريح عندما اندفعت من خلف الباب، تابع:

-حسنا ذلك الفيل لم يكسر قيده ولم يقطع حبله الهشّ بل اعتاد الأسر والسجن والاستعباد وظن أنه غير قادر لأنه اُسْتعبِد منذ طفولته، واستشرى العجز في تفكيره.

سكت السجان وابتعد قليلا وجلس القرفصاء كعادته يراقبها، وهي ظلت جامدة تحدّق فيه طويلا، ثم أطرقت ثم حملت طبشورتها ورسمت على الجدار فيلا صغيرا مربوطا بحبل، ثم فيلا كبيرا قطع الحبل وصاحت به: هيه! انظر يا صديقي!

تأمّل الرسم كعادته وهذه المرة لم يخفِ ابتسامته، فنظرت إليه بحبّ، ومدَّتْ يدها بخوف وفتحت باب زنزانتها الذي لم يكن مغلقا أبدا، فأصدر أنينا صدئا وهو يُفتح...

لأول مرة وقفت أمام سجانها وجها لوجه دون حاجز، وكانت ملابسه المبللة من المطر قد رشحت البلل حتى عظامه وبدأ يرتجف من البرد، وبرق البرق وأضاء وجهه الذي ما زال مبتسما، ولاحظت بضع شعرات بيضاء على مفرق شعره وصدغيه، ثم عانقته بقوة حتى سحبت البرد من عظامه وأشعلت جذوة نار لتدفئته، وهمّت بالخروج ببطء شديد فأوقفها:

-هييه! قد تضربك العاصفة!

-اطمئن لن تضرب إلا الخاطئين.

ولمع البرق في تلك اللحظة ورآها كلوحة من رسوماتها على ذلك الجدار، وهي تلتفت لتتجه نحو العالم الخارجي:

 انسدل شعرها الأسود على كتفها وعيناها كانتا مضيئتين كنجمتين، ولاحظ وسوم القيد على كاحلها  ورسغها، وقد شدت قبضتها بقوة كأنها مُقدمة على معركة، فبدت كآلهة الحرب " آريز".

  خرجت ببطء كطفل يخطو لأول مرة وما لبثت الريح تدفعها دفعا حتى بدأت تركض...

لقد مرّت سنون الأسر كتلك العاصفة، سريعة مدمرة، ثم سكنت العاصفة وهربت من عدوها وسجانها وجلادها...

ما زال أنين الريح يضرب في أذنيها وما زالت دوامة الإعصار تتقاذفها وما زال أثر قيدها يطوّقها...

كيف يمكن النسيان!!!

النسيان يحتاج وقتا، وإصلاح ما دمرته العاصفة يحتاج وقتا ولكن هل يمكن للوقت أن يصلح ما أفسده الزمن في نفوسنا؟!

ثانية مشت مرفوعة الرأس كظافر هارب، مفتوحة الصدر كمحارب مخضرم، رشيقة القوام كأنثى ناضجة، ينضح جسدها بآثار القيود وتفيض عيونها بظلال سوداء كموجات المحيط في الليالي المظلمة؛ فكان يراه الرجال ضعف أنثوي مغري، وتراه النساء قوة وتواضعا، ويراه الأطفال مثيرا للاهتمام وفضوليا، والشيوخ يرونه غموضا ولطفا، وباختصار ظلت محبوبة الجميع، إلا أنها خائفة من عدوّ يتربص بها ووقت ينفد قبل أن تلملم شتات ذاتها. ...

همست وهدب الجفون تحاول أن تمنع فيض موجات المحيط الأسود من عينيها:

-صديقي السجان! حتى لو هرب الفيل كيف سيقطع الحبال التي انعقدت داخله متشابكة كشبكة معقدة استشرت في عروق قلبه وعصبونات دماغه، فأصابت قلبه بسكتة المشاعر ودماغه بجلطة العجز عن التفكير؟!

توسعت عيناها بذهول وهي تسمع صوتا يجيبها:

-ماذا عن الروح؟ الروح حرة وطاقتها جارفة، حرريها من أسرها...

  تكاد تقسم أن الصوت صوت صديقها السّجّان...

 

 ****

 نادية محمود العلي 

 

 

 

 

 

السبت، 27 يناير 2024

مشاعر معدنية

 ارتباط-جماد-حنين-ذكرى-معدنية-صديقة-قهوة-خطو


مشاعر معدنية 



أجفاني تنفرج ببطء ثم تنغلق ببطء وكأنها تمسح الغشاوة عن ملتحمة عيني المُغبشة بدموع مخنوقة انعكست فيها خيوط قهوتي السوداء التي تركت آثارها في قعر فنجاني الأبيض ...

 تأمّلتُ تلك الخطوط السوداء طويلا وهي تنحني وتنثني وتتلوّى في داخل الفنجان راسمة أنماطا وأشكالا أتوهمها ما أشاء، ترسم ضعفي ...ترسم قوتي ...ترسم حزني وفرحي ...تتفنن برسم رغباتي ثم خيبة أملي ....

أغلق الجفون مرة أخرى ببطء إغلاقة طويلة وكأن الأهداب تكنس الديمة المنهمرة إلى قناة الدمع في الزاوية وتجبرها على العودة إلى مجراها.... أتساءل:

لمَ نرتبط بالجماد كارتباطنا بالأحياء؟!

لمَ نجد صعوبة في التخلي عن أشيائنا؟!

لمَ نحزن عندما نفارق أرضا أو منزلا؟!

أ لأنّ دماغنا يربط المشاعر مع الأشياء المادية بطريقة الذكرى والحنين؟!

سأسرق الوقت وسأحكي لنفسي ولك تلك القصة عن صغيرة اشتريتها صدفة، في الواقع كانت صغيرة الحجم، عتيقة العمر، بسيطة جدا وأصيلة جدا ومعدنية جدا ...

سرنا أنا وهي ساعات في كل يوم ملتحمين معا، نقطع الدروب معا، نقتحم السراب على الإسفلت، و تلفحنا رياح الصيف والشتاء، وتبللنا قطرات الندى في باكورة الصباح، يرشقنا المطر وتحرقنا أشعة الشمس، تداعبنا انكسارات الشمس الغاربة وهي تنسلّ متعبة خلف الجبال الباسقة ثم يسدل علينا الليل وشاحه الأسود الموشى بنجوم لامعة، نصغي لأنغام الموسيقا الصاخبة تارة والهادئة تارة، وقد التحمت أصابعي مع مقودها المدّور وأزرارها وإشاراتها.

  كانت تصغي لي دون أن تحاكمني ودون أن تقاطعني، حضنت  دمعتي وابتسامتي وسري، استوعبت هدوئي وغضبي، وثقت بي تلك الصغيرة، وكانت تنتظرني دوما دون حراك في البرد والحرارة والعواصف الهوجاء، وأنا ... أنا خذلتها مرتين...

لكني في المرة الأخيرة لن أنساها في ساحة الخردة تنتظرني وحيدةً محطمةَ الجانب مكسورة الأذرع، مهشمة النوافذ، مشروخة الهيكل والروح، وكنتُ جبانة جدا حتى من أن أقترب منها وأودعها مع أنني سمعتها تسامحني، همستْ لي: "أنا خائفة عليكِ " ثم أخبرتني أنها لا تلومني فكلنا نرتكب أخطاء...

لم تطلب مني حتى مبرّرات لفعلتي وخطأي، في وقتٍ تعبتُ فيه من التبرير -وأنا بريئة- لأقرب المقرّبين...

 وإن كان يعزّي تلك الصغيرة المعدنية أني كنتُ ضعيفة أيضا مثلها، مكسورة الجناح، وذهني مشوش، محبوسة روحي في جسدي متمنية التحرر، وفي الليل أتقلّب متألمة وأستيقظ وكأن يدا تغرز خنجرا في كتفي عميقا مخترقا العظم حتى الظهر، تطعنه بقوة باسمة وهي تذرو بأصابعها الملح على الجرح ...

كان لي الخيار، واخترت التخلي عن صديقتي الصغيرة دون حتى أن أربت على كتفها وأواسيها أو أشكرها وأخبرها أنها كانت صديقتي الوفية المعطاءة وكنتُ صديقة أنانية وغاضبة لدرجة أن أستغني عنها ولا أقدم لها المساعدة بأن أصلحها وأسترجعها، وألا أبيعها للغرباء ...

والآن مسافات شاسعة تفصلنا، وترسل لي هدية تأمينها...

هل تسامحني هي؟ هل تسامحني أنت؟ هل أسامح أنا؟!

تبًا هل يمكن أن نعود يوما لنصلح أخطاءنا!!!

ها أنا أحتسي آخر رشفة من إدماني، وخطوط قهوتي هذه المرة لن تظهر لأني شربتها في فنجان أسود و وأدتُها في وحل أسود...

 

 *****

 نادية محمود العلي 

 

 

 

الجمعة، 12 يناير 2024

فانتازيا تحكيها الجبال

فانتازيا-جبال-أمي-جدتي-إنسان-لغة-ديناصور-عمالقة-موت-تاريخ-خرائط 

فانتازيا تحكيها الجبال


 أخي! هل فكرتَ يوما أن الجماد ليس بجماد؟ وأنّ الصخور تشعر وتنطق بلغة خاصة، ولها القوة لتحكم وتسيطر؟!

 إذا سأحكي لك يا أخي قصةَ أو ربما أسطورةَ بلاد جديدة إن سألتني عنها سأقول: جبال...  سأقول هي على كوكب الأرض إلا أنها تبدو بِكْرا لم تعبث بها يد الإنسان، لا أدري إن كنت أبالغ لو قلت إنها كالمريخ...

منذ وطأت قدمي هذي الأرض أو بالأحرى منذ حلقت الطائرة فوقها، رأيت من الأعلى ما كنت أراه في الخرائط الجغرافية حيث تبدو الحدود واضحة بين اليابس والماء وتتدرج ألوان المحيطات والبحر الأزرق مع تدرجات ألوان اليابسة البنية بتدرج مذهل   كأنها رُسمت بتقنية الأبعاد المتعددة ...

 بقدر ما كانت الخطوط بين البحر الأزرق واليابسة البنية واضحة وحادة، بقدر ما كانت متناغمة ومتعانقة بلمسة جمالٍ إلهيٍ ُمحكم الصنع والخلق، وقد بدت من الأعلى بقع متداخلة في اليابس بلون قاتم لا شك أنها الجبال تكاتفت بقوة رغم هرمها وطعونها في السن...

 وعندما ركبتُ السيارة كانت تتراءى أمام عيوني الجبال والجبال والجبال فقط، وكانت ريح دافئة تلفح وجنتي وترشق وجهي بأنفاس جافة ساخنة كأنها زفرات وتنهدات هذي العمالقة الضخام حولي، وترهق أذني بذبذبات قد تضحك إن أخبرتكَ أنها كذبذبات الكواكب والفضائيين، ربما هي لغة الصخور تخاطبنا أو تخاطب بعضها، كأنها عمالقة كانت تتصارع ذات يوم "كان وياما كان" ثم تجمدت وتحجرت وتراكبت فوقها طبقات الزمن ملونة إياها بتدرّجات الرمادي والصدأ، كأنها احترقت واقفة من دون ألم، من دون صراخ...

 عيوني تمسح الطريق الذي شقته عنوة وحوش معدنية جرّارة في صدور الجبال الصلدة، والسراب من بعيد يتراءى على الإسفلت كواحات ماء أو بقايا أمطار غزيرة كلما اعتقدتَ أنك ستدوسها سابقتكَ إلى الأمام بعيدا، لا أحد يا أخي يلحق أو يسبق أو يمسّ السّراب ...

في كلّ مرّة أنظر إلى الجبال حولي تبدو وكأنها أول مرة ...

مخيلتي ترسم أساطير حولها كمخيلة طفل صغير، أفكر أحيانا بمنطقية وعلمية بأنها براكين ثارت عندما تشكلت أمنا الأرض، وكانت نارا ملتهبة تغلي بالمعادن المنصهرة   ثم بدأت تخمد وتبرد رويدا رويدا لتتحوّل إلى صخور متراكبة، وربما هذا سبب تلك الذبذبات المغناطيسية التي تصدر منها وذلك الطنين الذي يرافقها ...

وتارة أخرى أفكر بخيالية وجنون وخاصة عندما أرى ظهر ذلك الجبل الضخم خلف بيتي تعلوه مُسننات مثلثية رمادية كأنها حراشف ضخمة، وبشيء من الفانتازيا المضحكة أتخيل أنه كان ديناصورا مهاجرا مع أترابه من قطعان الديناصورات إلا أنه احترق بنيازك رشقت أمنا الأرض أو بصقيع عاصفة ثلجية هائلة، ثمّ تصلّب وتحجّر وتراكمت فوقه طبقات الرمال والسنون، ولوهلة أتخيل نهوضه فجأة يصيح وينفض الغبار والحجارة عنه ثم يمشي الهُوينا ساحقا بأقدامه الضخمة كل ما في طريقه كما في ذلك الفلم الخيالي (غودزيلا)....

والفكرة التي لازمتني دوما منذ أول لحظة كانت أنّ هذه الجبال تشبه أمي...

نعم أمي التي لا أتذكرها إلا وهي هرمة حتى في الثلاثينيات من عمرها..

لن أقول خطَّ الشيب شعرها بل أنه غزاه حتى أحاله هشيما أبيض...

لن أقول ريشة الزمن رسمت خطوطا على صفحة وجهها، بل سأقول إن إزميله حفر أخاديدا في ثناياها كهذه الجبال حولي حفرت فيها عوامل التعرية على مرّ السنون...

أمي بدت كجبل صارع الزمن وبقي واقفا في وجه الريح، داسته أقدام المتسلقين ولم تترك أثرا، وحاولت المدنية هدمه أو شقه ولم تفلح...

أمي بيديها العاريتين المجعدتين كانت تحمل الحجارة الضخمة وتُرتبها لَبِنَةً لبنة فوق طبقات الطين؛ لتبني دارها في الوطن وهي تتباهى بقوة ذراعيها وقدرتها على حمل الأشياء الثقيلة، فأسرع الهرم بكسرها حتى يطفئ غرورها ...

ولن أنسى جدتي التي يبست أطرافها وانحنى ظهرها وأقعدتها السنون المائة من دون حراك، وارتخت طبقات جلدها فوق وجنتيها حتى تدلّت أسفل رقبتها، وبرغم كل شيء تبتسم فتنفرج أساريرها اليابسة كما يتشقق قالب الكعك في الفرن الساخن، وما زالت أجفانها متدلية فوق رموشها محاولة طمس تلك الابتسامة، وهي تحكي لي حكايا تاريخية عن أيام الاحتلال العثماني وأيام "السفربرلك" الصعبة والاحتلال الفرنسي, وكأنها كتاب تاريخ ناطق، وكأنها جبل تراكمت فوق ظهره ألواح كبيرة خطت عليها الدهور تاريخا لم يكن بذاك السخاء والعطاء، كان غنيا بالفقر واليأس والعذاب والظلم...

الآن فقط تمرّ سيارتي بجانب تلك السلاسل الأزلية وأفتح شباكي لتلفحني صديقتي الرياح، وتتكسر فوق أجفاني باكورة أشعة الصباح، فأتأمل ذلك الضباب الذي بدا كدخان نار أشعلها تلامس أشعة الشمس مع ندى سطوح الجبال، فتتجمع غيوما بيضاء صغيرة متناثرة هنا وهناك فوق سفوحها المنخفضة، وبدا غريبا وجودها هناك في الأسفل عند أذيال الجبل وهو ماشق رأسه أعلى منها بكثير وكأنها تتوسل للجبل ليرفعها عاليا -فالغيوم مكانها فوق في السماء- وعندما سمح الجبل لها بالارتقاء أخيرا تبددّت بحرارة الصباح التي بدأت بالارتفاع...

  جدتي وأمي ترقدان بسلام بين أقرانهما، كلّ جبل ملقٍ رأسه على كتف أخيه، والجميع نائمون غير آبهون للحصى التي تلقيها الرياح، ولا لأزاميل الإنسان وشفرات الآلات، ولا لصدى هدير السيارات...

تمنيتُ لوهلة أننا عندما نموت نتحوّل إلى جبال....

أخي! هل تنهض الجبال يوما ما عندما ينفخُ في المزمار؟!


******

 نادية محمود العلي  


الجمعة، 24 نوفمبر 2023

معادلة ومتراجحة غير رياضية

 عيد-رمضان-معادلة-متراجحة-دار-الأيتام-صولجان-حنان-رحمة-إدارة-قوة-حزم-

مُعادلة و مُتراجحة غير رياضية


الولادة مؤلمة موجعة كما الموت مؤلم وموجع ...

تتألم الأمّ ويتألم الوليد ثم تتأوّه الحياة...

نتألم عند الموت ويتألم من حولنا ثم يزفر الموت...

لم أكن أعلم أني أعيش في جزيرة عالمي المنعزل -الذي بنيت حوله سورا يحميني من المتطفلين الذين يحاولون رمي الحجارة لإثارة الحياة الراكدة داخلنا - حتى دعتني إحدى الصديقات في آخر يوم من رمضان وقبل العيد لزيارة دار الأيتام التي تشرف عليها إحدى قريباتها ...

كانت فكرة تقليدية في داخلي لصغيراتٍ يتيمات منكسرات لا تكاد إحداهن تحصل على أبسط حقوق الإنسان وأني بما سأقدمه سأنهي بعضا من عذابهن وألمهن في هذه الدنيا ...

قبل الإفطار بسويعات قليلة جهزنا ما نستطيع أخذه معنا، وانطلقنا ونحن نظن ونتأمل أننا نتزكى ونغدق الشهر الكريم بالخير...

 دخلنا قبيل الآذان بقليل واستقبلتنا مديرة ومالكة الدار السيدة (حكمت) مرحبة بشيء من الرسمية واللامبالاة، ثم أشارت لنا أن نجلس على الكراسي المصفوفة أمام مكتبها.

نظرت إليها أتأملها:

كانت تتوكأ على عصاة مزخرفة من خشب الأبانوس وفي نهايتها منحوتة لرأس حيوان كأنها صولجان ملكة، وقد أحكمت قبضتها على رأس العصا بأظافرها القوية الطويلة المعقوفة والمصبوغة بحناء برتقالية كأظافر الساحرات، وتلبس عباءة مبهرجة بألوان فاقعة، رغم أنها منقبة إلا أن المساحيق الثقيلة الزاهية قد أثقلت عينيها وأجفانها وفمها محاولة إخفاء عمرها الذي لابد وقد تجاوز الستين، أما نظرات عينيها فلم تكن تهتز أبدا، كانت ثاقبة نافذة لا تطرف حتى تُشعر الذي أمامها أنه عارٍ تماما يهوي ضعفه بين قدميه، ومع ذلك كانت تقهقه وتضحك عاليا في معظم الأحيان كساحرة حققت مبتغاها وشعرت بالرضا والسطوة.

مّرت دقائق توتر وتململ قبل أن يؤذن المغرب، وتوقعتُ أن أشرب رشفة ماء فقد جف ريقي، إلا أن السيدة لم تقدم لنا شيئا وهي تشرب بكل وقاحة وتأكل أمامنا، وبعد أن انتهت وقد كانت أصوات مضغها كمطرقة تطرق بقوة أعصاب أذني، طلبتْ منا أن نصلي المغرب، ونحن حتى لم نرتشف قطرة ماء..

كنا نتبادل النظرات القلقة المستغربة أنا وصديقتي ونتساءل بسرنا عن آداب وأخلاقيات الإنسان والإسلام أو على الأقل آداب الشهر الفضيل.

بعد الصلاة سمحت لنا جلالتها بالشرب وأخذ وجبة إفطار متواضعة، وكنا قد أحضرنا للفتيات اليتيمات بعض النقود والطعام وطلبنا التجول في الدار ورؤية الفتيات لنعطيهم ما أحضرناه بأنفسنا...

كانت الدار على عكس ما ظننا، مجهزة بكل ما تحتاجه الفتيات، وكانت مقسمة إلى غرف، في كل غرفة أربع فتيات بمختلف الأعمار، ولكل مجموعة في الغرفة قد خُصِّصَتْ مربية تسمى بالأم. والكاميرات في كل مكان في الدار: في الغرف والحمامات والممرات والباب الخارجي، وكان لا يسمح بإعطاء الفتيات أي شيء قبل أن تعاينه السيدة بنفسها وتسمح بأخذه لهن من يدها حصريا، كانت فقط تأمر والكل يطيع...

لم تسمح لنا بإعطائهن الطعام بدعوى أن الدّار قد جهزت لهن المعكرونة للإفطار وأن الكثير من الطعام يُتبرع به للدار إلا أن السيدة تخزنه في الثلاجة أو في المخزن إلى أن ترى إذا كان مناسبا ومتى يكون مناسبا تقديمه للفتيات...

كانت السيدة (حكمت) قد جهزت النقود في ظروف مغلقة وجميلة لمعايدة الفتيات وكذلك الكاميرا لتصوير المشهد المؤثر، ثم تم تصوير فرحة الفتيات بعيديات وهدايا العيد مع موسيقا صاخبة وتهاليل وأناشيد، وتخلل للمشهد تصفيق السيدة و قهقهتها العالية كأزيز مصاريع صدئة تحت وطأة ريح عابثة، وسألتُ -عندما سنحت لي الفرصة- إحدى الفتيات ما الذي ستفعله بعيديتها فلم تجب إلا بنظرة مستغربة ومستهجنة للسؤال أوشحتها حيرة طفولية.

 تم تصوير المشهد وأُسدلت الستارة ثم نهضت فتاة لتجمع الظروف والهدايا وتعيدها للسيدة (حكمت)   وسط دهشتنا وتعجبنا أنا وصديقتي، ثم تحوّل العجب والدهشة إلى سخط صامت، وتمنيت أنّ تلك السيدة تودع المبالغ والتبرعات بأسماء الفتيات لتؤمّن مستقبلهن، أو لتصرف بها عليهن ،فقد كانت تبدو ثقة الفتيات بها وبمربياتهن شديدة غير متزعزعة، وكُنّ غاية في الأدب والخضوع والزهد في الهدايا والطعام الفاخر الذي عادة ما يُسعد الصغار، وكأنهنّ خراف صغيرة في قطيع راعٍ يمشين خلفه وهن مستسلمات حتى لو كانت وجهتن المسلخ.

هنا تراءى لذهني المشهد الأكبر لمسرحية الحكومات التي يؤديها حكامنا ونحن فقط خُشب مسندة أو رعية متفرجة، فهم يمتصون أموالنا وجهدنا ودماءنا بدعوى أنهم يوفرون لنا الرواتب والماء والكهرباء والسكن وكل متطلبات الحياة الصعبة التي نعيشها، ودورنا فقط أن نصفق ونصفق ....

أحسست وأنا أنظر لتلك السيدة أنني لم أقدم شيئا لليتيمات وأنها كتنين ابتلع في جوفه النار ثم أذرى الهشيم في كل مكان.

أما صديقتي رغم تألّمها مثلي واستهجانها لسلوك السيدة إلا أنها قالت لي:

"ربما يجب أن تكون تلك السيدة صارمة قاسية حتى تستطيع إدارة الأمور وهذا العدد الكبير من الفتيات بمختلف الأعمار صغيرات ومراهقات وصبايا في مقتبل الحياة. يجب أن تكون قاسية تُمسك بالرحمة في قبضتها تلك كقبضة الساحرات وتُفلت القليل منها حين ترى أنه مناسب ولكن لا تعطيه لهن بيدها، إنهن يحصلن على الحنان من الأم المربية ومن الزائرات ومن العاملات.من السهل إعطاء الحنان أما القسوة والقوانين فمن الصعب إرساؤها في هذا المكان، ألم تلاحظي كيف تحبها الفتيات والمربيات ويطعنها؟! فهي تحافظ على الفتيات من الضياع في هذه الدنيا، وتؤمن لهن كل الاحتياجات، وتسعى ليكون لهن مستقبل واعد ومشرق ".

قلت: لا أدري أهو حب وطاعة أم خوف وخنوع؟

قالت: في كلا الحالتين القوانين تطاع والفتيات محميات سعيدات. مثلي ومثلك بتلك القلوب اللينة والتفكير المنفتح لا ننفع لإدارة بيتنا فكيف ننفع لإدارة دار للأيتام أو مؤسسة ما؟؟ ربما كنا مخطئات، نحاول لملمة الماء بأصابعنا...

قلت: الإدارة يجب أن تكون صارمة لا قاسية، الإدارة يجب أن تكون مُقنعة لا إرهابية،

الإدارة يجب أن تحتوي الجميع وتضع القوانين وتطبقها حتى تُحترم ويسير خلفها الجميع...

قالت صديقتي: هذه المعادلة ليست في هذه الدنيا...

 

عدت لمنزلي منكسرة تتقاذفني الأفكار كقارب في عاصفة هوجاء لا ينفع فيها شراعٌ ولا مجداف.

ربما صديقتي على حق وربما كنتُ مخطئة، ففي النهاية الفتيات لا ينقصهن شيء، وجاهزات لشق طريقهن في هذه الحياة.

دخلت بيتي محاولة جاهدة أن أفرح بالعيد وأن أنشر فرحة العيد في الأجواء، إلا أن الحزن والأسى دوما رفقاء الأعياد، ورحت أردد بيت شعر(المتنبي) الذي أردده في كل ليلة عيد:

عيدٌ بأيةِ حالٍ عدتَ يا عيدُ       بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديدُ

 نظرت في عيون ابني وابنتي لأستشف مشاعرهم، ولم أر إلا اللامبالاة ومسحات من الحزن محت سمات أي فرحة، فبراعم في بلادنا تُدهس قبل أن تتفتح، وأمهات تُجهض قبل أن تلد، ورجال مُكبَلون ومُستنزَفون، وبيوت تهدم فوق رؤوس ساكنيها، لتفيض تساؤلات عن معنى الوجود وعن ماهية الحياة والموت....

دخلت غرفة ابني الذي ربيته على الحنان والرحمة واللين، سألته بعد أن لاحظت عينيه الشاردتين الحزينتين:

-هل أنت بخير؟

عانقني وبكى ولأول مرة أشعر بدموعه وبألمه، ثم عانقته بقوة وأنا أهمس لنفسي:

( سأسحب كل ذلك الألم منك، سآخذه كله) وبلحظات تسلل الألم من صدره مخترقا صدري كخنجر، إلا أنه حرّر كل آلامه.

ابتسم وقال: آسف أمي أني أحزنتك ولكني الآن أشعر أن كل شيء بخير.

قلت: وأنا أشعر أن كل شيء بخير.

وضعتُ راحتي على صدري وذريتُ كلّ ذلك الألم ...


لذة العطاء تعادل لذة الأخذ، وطبيعتنا كبشر أن نعطي ونأخذ حتى تتوازن المعادلة، فإن أعطينا دوما سينهك كاهلنا العطاء وينفد ونفقد القدرة على إعطاء ما لا نملك، وإن أخذنا كثيرا سينتفخ الأنا فينا حتى يبلغ ذروة الأنانية وعندها أيضا نفقد ما نملك...

لو أننا فقط نوازن طرفي هذه المتراجحة....

 

 *****

نادية محمود العلي 

 

 

السبت، 30 سبتمبر 2023

على شفير الوقت

 يوم-جديد-وقت-شفير-ابنتي-أم-حياة-موت-سرطان-شمس-قهوة-نوم-شفير

على شفير الوقت

ينفرج الجفنان ببطء شديد بينما تتعالى رنّات منبه الجوال بجانب أذنها ضاربة على عصبونات دماغها بشدة؛ مما يستغرقها طويلا لتكتشف أين هي ...

تفتح عيونها ببطء شديد لتُسكِتَ الرنين المتعالي ويدها تبحث بتثاقل عن شاشة جوالها، وعندما يتوقف الصوت يبدأ نهر من الأسئلة بمهاجمة تلك العصبونات المسكينة في دماغها:

أين أنا؟

يوم جديد؟

ما هو اليوم؟

أنهض؟

ماذا عليّ أن أفعل؟

أطفالي أين هم؟

بمجرد أن يستوعب الدماغ أنه يوم جديد يقوم بالتركيز على هذه النقطة ....

يوم جديد؟

فيما مضى عندما كان يرنّ المنبه كانت تسكته من أول رنّة، وتنهض بسرعة وكأنها رجل آليّ مبرمجٌ ماذا يفعل، يدخل الحمام ثم يوقظ الصغار وإلى المطبخ ليجهز الفطور ثم وجبة المدرسة ويبدأ يوما جديدا في كل يوم جديد...

وحاليا ومنذ شهور قليلة عندما يبدأ نور يوم جديد بشقّ طريق ضيقة بين جفونها منبّها دماغها -الذي ولا بدّ قد أُتلفَتِ الكثير من خلاياه الرمادية من هجوم رنين المنبه ضاربا بشدة عليها كل يوم - يستغرقها الأمر وقتا قد يبدو طويلا إلا أن عملية معالجته في الدماغ لا تطول لدقيقة ربما، ويدها على شاشة الجوال وهي تسأل دماغها: 

يوم جديد؟!

أين كانت طوال الليل؟ أين نذهب في نومنا؟ كيف أستطيع أن أبدأ يوم جديدا؟

إنني لم أمت! أنا على قيد الحياة! ...

ألم شديد يعتصر قلبها لوهلة، ثم تنهض محاولة أن تتنبّه برشقِ قطرات باردة على وجهها، توقظ الكبار الذين كانوا صغار وتجهز الفطور ووجبة المدرسة، ولكن مهلا:

-أعطني عناقا طويلا يا حبيبتي الصغيرة، وأنتَ كذلك يا صغيري الغالي ....

تنظر في عينيّ ابنتها وترى في تدرّجات الأخضر فيهما كلّ أنواع الصراع الأزلي مع محاولة بدء يوم جديد في مدرسة الروبوتات، ترى في عيون ابنتها محاولات المواراة   و التعب والسّخط من حياة فرضت وجودها علينا وتظن أنها تكافؤنا بالألم والمعاناة ...

تُقبّلُ عيني ابنتها وتضمّها بين ذراعيها، تمسح شعرها وتنظر في عينيها مجددا لترى نظرة الاطمئنان تطفو على وجه تلك البحيرة الثائرة وشفتاها تهمس:

-أحبك ماما ... هل ستكونين هنا عندما أعود؟ لن تتخيلي كيف أنسى كلّ تعبني عندما أجدك بانتظاري وأنهال عليك بقصصي ويومي المدرسي الكئيب وأنا أتناول طبخ يديك اللذيذ، إنها أجمل لحظات يومي...

تعانقها وتعانق ابنيها وزوجها، تتمنى لهم يوما مدرسيا هادئا ومفيدا وتخبرهم أن قلبها معهم أينما ذهبوا ...

تسرع إلى المطبخ وتُدخل كبسولة القهوة في مكانها في الآلة، تضغط الزر وبثواني تجهز قهوتها. ترشف ذلك السواد الصافي ببطء وبإدمان جرى في عروقها حتى بات الكافيين قوامها، وتتنبه خلاياها الرمادية المتبقية والتي لم يطالها الضرر ثم ترسل إشارات ورسائل إلى كل جزء من جسدها:

 -إنه يوم جديد...

تتثاقل ثانية عن بداية اليوم الجديد وهي تفكر في حديثها مع ابنتها أمس عندما أخبرتها عن وفاة صديقتها بمرض السرطان ...

تلك الطفلة بنت السابعة عشر، كانت تريد الحياة بعد صراعها الطويل مع السرطان، غيّرت اسمها وأقسمت أن تبدأ حياة جديدة حين أخبرها الأطباء بأنها شفيت وأنها تستطيع العودة للمدرسة بعد غياب سنة كاملة ...

رأوها راكضة لتفتح لهما الباب عندما زاروها بعد خروجها من المشفى، ولن تنسى كيف أعطتها تلك الصغيرة الدفع في الحياة، حيث كانت تتوقع رؤية فتاة مريضة مسكينة، وتتفاجأ بها تركض بنفسها وتفتح الباب مبتسمة ابتسامة كبيرة جدا جدا وعيونها تنبض بالحياة وترحب بهما ثم تعانق باقة الورد التي معهما فوق صدرها ...

والآن تلك البرعم استغرقها الأمر أسبوعين فقط، ثم انتكست حالتها يومين فقط ثم فارقت الحياة بعد ألم ومعاناة ...

قالت الابنة: أعطتكِ دفعا بالحياة يا أمي ثم الحياة نفسها أخذتها عنوة.

حزنتْ جدا وهي صامتة تصغي لابنتها...

أكملت الابنة: التشاؤم ليس أسلوبا خاطئا في الحياة يا أمي لأن التفاؤل ليس كلّ الواقع.  الواقع مؤلم ومفزع أحيانا والحياة لا تصفو لأحد، لذلك علينا أن نعيش ونحن متقبلين ذلك...

الأمّ: الحياة فُرضت علينا ولم نختر وجودنا؛ لذلك علينا أن نعيشها وأن نمضي بكلّ قوة فيها ...

مجددا الوقت ينبهها أنه لم يتبق لها الكثير من الوقت لموعد العمل، إلا أنها مجددا تثاقلت وهي تتذكر عيون ابنتها الحبيبة وتفكر:

- تلك العيون التي اختارت أن تخفي خلفها كل المشاعر وكلّ الأفكار التي أثقلت كاهلها الصغير إلا أنها سمحت لي أن أدخل فيها، أن أبحر فيها وأجدّف معها في قارب صغير. أنا أيضا أحبك حبيبتي الصغيرة ولحظات تطلعي إليك وأنت تسكبين كل جعبتك بعد العودة من المدرسة هي أجمل لحظات يومي كذلك ولا تظنين أنك تسكبين هباء، فأنا ألملم كل الحروف فيما تبقى من خلايا دماغي. وإن تساءل الجميع من هي حبيبتي فأنت بلا شك حبيبتي الصغيرة...

تلتقط مفاتيح سيارتها وتنطلق مسرعة على أنغام مسجلها، تمتصّ كالزهرة طاقة ضوء شمسِ يومٍ آخر، طاوية بسرعة المسافة للعمل إلا أنها لا تصل متأخرة أبدا، هي على شفير الوقت دوما...

*****


 نادية محمود العلي